زيدان ورحلة الشك

خلال الفترة الماضية تحدثنا كثيرا عن واقعية مدرب ريال مدريد زين الدين زيدان، قلنا بأنه واقعي إلى أبعد درجة ممكنة، وقلنا بأنه لا يجازف ولا يحب ركوب الأمواج والمغامرة مثل بيب غوارديولا.  

في البداية أنا لا أنكر ولا أحاول التقليل من العمل الكبير الذي يقوم به زيدان، كما إنني لا أعتقد أنه نجح بفضل الحظ فقط، كما يزعم البعض، بل اعتبره رجلا يستحق كل الاحترام والتقدير، لأنه يعمل بجهد كبير ويدرك تمام الإدراك ما يقوم به وما جاء من أجله، وأرى أنه أيضا كان يستحق الفوز بجائزة أفضل مدرب العام الماضي أكثر من رانييري، لعدة أسباب أولها، إنه استلم فريقا كان قد فقد الروح والرغبة في الانتصار، وفي غضون أشهر قليلة استطاع زيدان أن يحقق المعجزة ويفوز بدوري الأبطال، وأن ينتصر على برشلونة في الكامب نو في أول كلاسيكو له كمدرب.

 لكن هذا ليس موضوعنا، فما أريد الحديث عنه هو أنّ زيدان يتحمل جزءا كبير من المسؤولية عن خسارة الكلاسيكو ضد فريق يعيش أسوأ فتراته على الإطلاق منذ سنوات عديدة.

 للمرة الألف زيدان يدفع جمهور كرة القدم إلى التشكيك في قدراته الفنية، لأنه أدار المباراة بسذاجة، بداية من إشراك الويلزي غاريث بيل في التشكيلة الأساسية وانتهاء بما حدث في آخر دقيقة من المباراة

الدقيقة 92 وريال مدريد يلعب بعشرة لاعبين بعد خروج سيرغيو راموس بالكارت الأحمر بعد أن تدخل بسذاجة على ليونيل ميسي ، الدقيقة الأخيرة والنتيجة لصالح الريال، التعادل يُنهي الدوري عمليا.. فما الذي يدفع بسبعة لاعبين إلى التواجد على حافة منطقة جزاء برشلونة؟ 
مع التذكير على أن كازميرو كان قد تم استبداله وأنّ ثلاثة المدافعين الذين كانوا موجودين أمام نافاس لحظة صعود سيرجي روبيرتو بالكرة أثناء الهجمة المرتدة، لم يكن من بينهم لاعب يمتاز باستخلاص كرة أو القيام بعرقلة مشروعة أو تغطية مساحة، باستثناء ناتشو فهل هذه هي الواقعية يا زيدان؟

من الجانب الآخر، يجب أن نشيد بما قام به  سيرجي روبيرتو في الهدف الثالث، حين استطاع  نقل الكُرة من صندوق لآخر، كما يفعل لاعبو الـ Box to box في الكُرة الحديثة ونقولها للمرة الألف، هذا اللاعب مظلوم باللعب في مركز غير مركزه

وفِي السياق ذاته يجب أن نرفع القبعة للأرجنتيني ليونيل ميسي عندما تحرك بذكاء شديد خلف المدافعين في المساحة التي ظهرت بفعل تقدم معظم لاعبي الفريق الأبيض وتأخرهم في العودة. تحرّكَ ميسي وتواجدَ في المكان الصحيح ليستغل تمريرة متقنة من جوردي ألبا ويسكنها الشباك مختتما العرض الذي قدمه في البيرنابيو ، ليثبت أنه أسطورة بكل المقاييس وبعيد كل البعد عن كل المقارنات.

نعود إلى زيدان والأخطاء التي ارتكبها في المباراة، والبداية مع إشراك غاريث بيل ففي واقع الأمر لا أحد يدري ما الذي دفع زيدان إلى اتخاذ قرار كهذا، خصوصا أن غاريث بيل عائد من إصابة تعرض لها قبل عشرة أيام، وقبل ذلك كان قد عاد من إصابة طويلة أبعدته عن الملاعب لعدة أشهر! وعلى الرغم من ذلك فإن زيدان لم يساوره الشك في أحقية بيل في ضمان مكان في التشكيلة الأساسية بعد فترة طويلة تألق فيها كل من إيسكو وفاسكيز وآسينيو وحتى خاميس، بدرجات مختلفة

في بعض الأحيان تشعر أن زيدان لديه مسلمات، 11 لاعبا يشاركون بشكل أساسي في كل المباريات الكبيرة، لا أحد منهم يفقد مكانه مهما انخفض مستواه. ونفس الشيء يحدث مع موراتا الذي ساعد الفريق كثيرا هذا الموسم وحسم مباريات عديدة، لكنه لم يشارك في ظل تواجد بنزيمه الذي تراجع مستواه كثيرا في أغلب فترات هذا الموسم، خصوصا فيما يتعلق بالحسم وتسجيل الأهداف

آخر نقطة، تبديلات ريال مدريد في الشوط الثاني، خروج كازميرو كان خاطئا بكل معنى الكلمة، صحيح أنه كان مهددا بالطرد، لكن أيضا هو الأكثر قدرة على استخلاص الكُرة من بين كل رفاقه، سواء تعلق الأمر بالعرقلة أو بغيرها. أما فيما يخص توقيت دخول خاميس فاعتقد إنه كان خاطئا، لا أقول بأنه لا يستحق المشاركة بل أقول بأنه كان يجب أن يدخل بشكل مبكّر بديلا لبيل أو حتى بنزيمه كتغيير فني لا اضطراري بعد عودة كروس/كوفاسيتش لقلب الدفاع إثر طرد راموس.

المنطقي إنه عندما يكون فريقك ناقص العدد، فأنت بحاجة إلى لاعب يستطيع شغل أكثر من مركز على سبيل المثال هناك فاسكيز، الذي يستطيع اللعب كظهير وجناح في آن واحد، كان المفترض دخوله بعد الطرد ليتفرغ كارفخال للواجبات الدفاعية

عموما.. رحلة الشك لا تزال مستمرة في ظل الانتقادات اللاذعة التي يتعرض لها زيدان، لكن يجب أن نتذكّر في النهاية، أنّ الأخطاء جزء لا يتجزأ من اللعبة وأنّ تلك الأخطاء لا تنقص من قيمة زيدان الكبير، كما أن خسارة مباراة لا تعني نهاية العالم. صحيح أن برشلونة الآن هو المتصدر بشكل مؤقت وصحيح أن ريال تنتظره مباريات صعبة، لكن بشكل عام، وفي كل الأحوال يبقى ريال مدريد هو الأقرب إلى الفوز بالدوري الإسباني!

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها