رمضان السنوسي يكتب: من يحاسب في الإخوان المسلمين ؟!

حدث الانقلاب الذى كان من المفترض أن يحسم خيار الثورية لأصحاب مشروعه المستبعَدين من دوائر القرار في الجماعة، وتحقّق ما بُحّت أصواتهم في التحذير منه. يتبع

 رمضان السنوسي / مدون مصري

لأنه ليس من المروءة أن يحاسب الرئيس محمد مرسي أو الإخوان المغيّبون فى مقابر السجون الجماعية عن أخطائهم السياسية من دون إعطائهم الحق فى الدفاع عن أنفسهم، ومن دون تمكينهم من الكلام.
فإن المروءة – فى المقابل – كانت تقتضي من عموم الإخوان الأحرار خارج السجون أن يحاسبوا أنفسهم وأن يعيدوا النظر فى طريقتهم التى لا تزال تحصد كل يومٍ من دمائهم ودماء مؤيديهم أو حتى معارضيهم من أبناء وطنهم المغصوب.

هي حقٌ ضائعٌ فى مجتمع الحركة الإسلامية الكبير كما ذكرت فى مقالٍ سابقٍ إذا ما تعلق بأهل الفضائل والسبق فى أوساط الدعوة، لكن الهزات الأرضية الشديدة التى تتعرض لها جماعة الإخوان المسلمين منذ إعلان الانقلاب وحتى أزمتها الداخلية الحاليةكشفت عن رمادٍ كثيف يعلو نيراناً لم تهدأ بين قادة حراك الثورة (منذ الإعلان الأول بشأن المشاركة فى تظاهرات 25 يناير 2011) وبين قيادات الجماعة التاريخية التى تعتمد التدرّج الإصلاحيّ وسيلةً أبدية لتحقيق مشروع نهضة الأمة.

وما بين إثبات “الثورية” وسيلة يقتضيها الواقع بما يتبعها من شراكةٍ مستمرةٍ مع الآخر فيما يُعرف بالاصطفاف، أو “التدرّج الاصلاحيّ” وسيلة تفرضها حسابات السياسة بما يتبعها من تخلّ عن شركاء الميدان الصغار أو غض الطرف عن جرائم العسكر لاستعجال قطف ثمار مكاسب سياسية كانت مفخخةً أصلاً (برلمان مهدّد بالحل ورئاسة مكبّلة بإعلان دستورى يقيّد صلاحيات الرئيس)، فقدت الجماعة كثيراً من كوادر مشروع “الثورية” فى مقابل مشروع “التدرّج الإصلاحيّ” بطريق الإيقاف والمحاسبة ومن ثَم الخروج والانشقاق أو بطريق الاستبعاد من دوائر القرار وهو نصيب الأكثرية منهم، لتؤرخ هذه الفترة لأغبى خطأ تاريخي تقع فيه الجماعة للمرة الثانية، ولتلعب السياسة فى وقت الثورة مرةً أخرة (تكرارا لخطأها فى إدارة الصراع نفسه مع عسكر يوليو وقد تجلّى ذلك في موقف عبد القادر عودة، عندما خرجت الجماهير الثائرة تطالب بعودة العسكر لثكناته، في مظاهرات قصر عابدين الشهيرة عام 1954، ليخرج “عودة” ويصرف الجماهير بكل سذاجة سياسية، غيّبت الجماعة إلى نحو عشرين سنة قضاها أبناؤها فى التنكيل والسجن والتعذيب والقتل).

اعتلى الرئيس محمد مرسي سُدّة الحكم، وقدّم نموذجاً أكثر مرونة من رؤية الجماعة القديمة لإدارةِ الصراع، هَمّ فى مواقف فاصلةٍ بقراراتٍ ثوريةٍ أطاحت بقادة المجلس العسكري وأخرى بإعلان دستوري يحصّن برلمان الثورة ويهزّ جدران سراى محاكم صمدت أمام هتافات العدالة أكثر من مبارك وداخليته وبرّأتهم من قتل شباب الثورة، أما فيما يتعلق بالعيش والحرية فيمكنك القول إنه لجأ إلى نموذج الجماعة القديم واعتمد التدرّج الإصلاحيّ الطويل الذى شدّ من عود العسكر ومن خلفه دولة مرهونة بأمرهم وقوّى من ظهر معارضيه الطامعين فى مكانه بينما كان يصرخ مؤيدوه غوثاً من جحيمٍ ينتظرهم، ولكن دون جدوى.

حدث الانقلاب الذى كان من المفترض أن يحسم خيار الثورية لأصحاب مشروعه المستبعَدين من دوائر القرار فى الجماعة، وتحقّق ما بُحّت أصواتهم فى التحذير منه، ولم يعُد بالأفق الدعويّ أى مجال للتدرّج الإصلاحيّ فى مواجهة انقلاب أتقن عرّابوه إخراجه، وأحكم قبضته على كل قيادات الجماعة المدفوعين بجماهير حملت أكفانها على ظهرها وتوجهت إلى رابعة فداءاً للشرعية، فظهر المفهوم الجديد لسياسة الكبار وتجلّى فى هتاف المرشد العام للجماعة:”سلميتنا أقوى من الرصاص” ليحوّل ذلك الشعار أبناء الجماعة والملايين من مؤيديها من التهمة بخيانة الثورة ثم الفشل السياسي فى الحكم إلى دور الضحية فداءاً للشرعية، دورٌ جعل من السيسي الضابط الخائن والجبان فرعوناً لا يخاف فى بلدٍ تقر للفراعنة بالولاء والطاعة.

 وهنا أتساءل: ما الذى كان يحتاجه “الفرعون” أكثر من ذلك ؟
سؤالُ كشفت لى إجابته عن معنى الاتهام الذى يحاسب عليه محمد كمال المسؤل الأول للجنة إدارة الازمة (اللجنة الأولى المكلفة بعد فبراير 2014 بإدارة شئون الجماعة) بأنه خرج على منهج الجماعة كما يروّج له كوادر الإخوان المحسوبين على طرف الدكتور محمود عزت فى الأزمة الأخيرة.

فما بين إعلان “سلميتنا أقوى من الرصاص” و إعلان”النهج الثوري” مروراً بالسلمية المبدعة فالمقاومة الشعبية يحاسَب “كمال” المتهمُ بإخراج عشرات الشباب من جنة السلمية الآمنة فى منطق محمود عزت نائب المرشد ومحمود حسين أمين عام الجماعة السابق والكوادر المنتمية إلى طرفهم محل النزاع الحالي، والذين لا يحق لغيرهم أن يحاسبوهم على مجازر رابعة “السلمية” وأخواتها.

رمضان السنوسي

مدون مصري

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها