رجل يستحق أن يكون قدوة

سمعنا ما يكفي عن عظماء وعلماء ورجال صمدوا في وجه الظلم، لم يهابوا الموت و قالوا كلمة حق عند سلطان جائر، وقدموا المثل في الثبات، وكم تمنيت أن أكون منهم أو على الأقل أعاصر أحدهم.

كنا نسمع عن الصالحين الأولين، أولئك الذين صبروا في المحن والشدائد، فسمعنا عن غلام صمد في وجه حاكم ظالم فكان ثباته طريقا ينير درب قومه، وفجر حرية يشع نورا، وسمعنا عن طفل رضيع يثبت أمه على الحق، وسمعنا عن أصحاب الاخدود، وأهل الكهف، وزد عليهم صاحب الصومعة، وعابد الغار.

سمعنا ما يكفي عن عظماء وعلماء ورجال صمدوا في وجه الظلم و حكام الضلال، لم يهابوا الموت، و قالوا كلمة حق عند سلطان جائر، وقدموا المثل في الثبات، وكم تمنيت أن أكون منهم أو على الأقل أن أعاصر أحدهم، أجالسهم وأقتدي بهم، وأكون معهم لعلي أنال شيئا من عزمهم، عزم الرجال، عزم من لا يهاب في الله لومة لائم، عزم الأولين، عزم صرنا نسمع عنه ولا ندركه، بل صرنا نجد لأنفسنا عذرا كي نتجنبها، بل إذا ما وجد أحدنا عنده شيئا منه خاف أن يكشف أمره فلزم بيته وأقفل بابه على نفسه وحصن لسانه، ولا ريب إذا ما خلا بنفسه ليلا فأدبها وبسوط هذبها، فيا نفس كوني أمارة بالسلم، فما عاد لأصحاب المبادئ من أصل.
نسينا أن أصحاب المبادئ ما سلموا يوما، فهم للسجون زوارا، وظهورهم تتزين برسومات سوط جبار، وجل أعمارهم قضوها بين الجدران، فهل خارت قوانا وما عدنا لصوت الحق حاملين، وخفنا السجن، وأصبحنا لفراش ناعم دافئ ملازمين، أم زرع بنا الخوف من جلاد، وهبنا السلطان، وما عدنا نجرؤ على الهمس بخلاف أمره، فإن لهم في الأرض خشية ورهبة.
نعم إن عصر المتحدين الصابرين القائلين للحق قد ولى زمانه، أو هكذا أردناها، حتى لا نلام على تقصيرنا، ولكن وبعد أن فعلها ابن التسعين، تسعون عاما من صبر، تسعون عاما من الجهاد، تسعون عاما من الثبات، تسعون عاما تحاسبنا، تسعون عاما و تترجل في محبسك متحديا طواغيت الأرض، لم يمنعه سنه عن قول الحق لم يقف ويقول سجنت في شبابي، وفي أواسط عمري، حتى عندما كبرت في سن و تجاوزت السبعين، لا لوم علي اليوم إذا هادنت أو سالمت، ولم يقل لنفسه إن عزم الشباب قد فتر والعمر قد عبر، ولي من التاريخ مجد ما يزيل العذر، بل قلها بصوت صابر، وكأني أرى به عمرا، أو أبا بكر وربما ضرب في صبره مثلا كأيوب، فكان نعم المثل لمن صبر.
يا شيخ، أصبحت علينا حجة، فكيف نفعل من بعد أن تركتنا، وسرت إلى ربك، بصبر الرجل وعز الشباب، يا شيخ ماذا نفعل الآن، وبأي الحال نلقى رجالا، بل بأي حال نخلو إلى أنفسنا ونناجي ربنا، بأي عذر نعتذر من الله، من منا لا يعلم أن الأرض عمها الفساد، من منا لا يعلم أن بلادنا خراب من حكم شذاذ فساق، من منا يملك الجرأة ليقول كلمة حق في وجه وضيع حقير يحكمنا فظن أنه يملك الرقاب.

رحمك الله يا شيخ محمد مهدي عاكف، كان لك في اسمك نصيبا، فكنت صاحب رسالة حق لم تحد عنها وأخذت من رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قدوة في صبر والثبات، وكنت مهديا إلى طريق الحق، فما زدت إلا يقينا وعزما وثباتا، وعكفت على العلم ونهلت من منبعها فكنت خير العاكفين الصابرين العاملين.
بحثنا عن القدوة في الأولين وكنت بيننا، تعلمنا كيف يكون الثبات، بحثنا في دفاتر التاريخ وكنت الحاضر الذي يصنع التحديات، مثلك يستحق أن يكون قدوة.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها