رجاء هنبيزي تكتب : ليس بالعقل وحده

تقول الحكاية اليابانية القديمة إن محاربا من “الساموراي” تحدى أحد حكماء “الزن” أن يصف له الفردوس والجحيم, فأجاب الحكيم في ازدراء: ما انت إلا حثالة, و لن اضيع وقتي مع أمثالك. يتبع

رجاء هنبيزي / مدونة مغربية

تقول الحكاية اليابانية القديمة إن محاربا من “الساموراي” تحدى أحد حكماء “الزن” أن يصف له الفردوس والجحيم, فأجاب الحكيم في ازدراء: ما انت إلا حثالة, و لن اضيع وقتي مع أمثالك.

اشتعل غضب الساموراي لجرح كرامته , وعلى الفور أشهر سيفه صارخا: و الآن يجب أن تموت جزاء وقاحتك.

وأجاب الحكيم بوادعة: ذلك هو الجحيم.

هدأ الساموراي إذ رأى الحقيقة واضحة في قول الحكيم عن الغضب الذي تأجج داخله, وكاد يحوله إلى قاتل, فأغمد سيفه، وانحنى شاكرا الحكيم على هذا الدرس. فأجاب الحكيم: وذلك الفردوس.

كان ذلك هو الدرس الثاني الذي لقنه حكيم “الزن” للساموراي المحارب, والذي يعني أن النعيم النفسي يكمن في الانتباه إلى نيران الغضب التي تشتعل في داخلنا, وعدم ترك هذه النيران تحرقنا و تحرق ما حولنا, ولا تترك إلا الندم، وهو جحيم آخر يكوي، ويحرق النفوس والشعوب والتاريخ ببطء، ومثابرة كجمر تحت الرماد.

ولعل توقفي أمام الحكاية: أي الحكي, تلك الأداة التعليمية الساحرة التي ضاعت من عالمنا الذي لم يعد للجدات فيه دور غير التواري في أركان بيوت المسنين الباردة، ومن مدارسنا التي لم تعد تعرف إلا جفاف وسطحية الاسئلة المكررة، والإجابات المحفوظة, ومن عالمنا الذي يخضع بهوان لإرادات عقول باردة حادة الذكاء وغبية المشاعر.

المطلوب أن نعيد لذكاء المشاعر الإنسانية مكانتها ؛ فهي الأهم, وهي الحكيم الذي يحول دون إشعال ذكاء العقول الباردة لنيران الاحتراب و القتل, والنهم الأحمق , والأنانية الغبية, والدهاء المدمر, و الحياة البشعة فوق أكوام الجثث، وأهرام الجماجم ، وتلال الخراب.

لقد وعى محارب الساموراي درس حكيم الزن في تلك الحكاية اليابانية القديمة؛ لكنني أتساءل عما كان يمكن أن يفعله الساموراي حيال غباء المشاعر الذي يجتاح أيامنا التي لم تعد نشرات الأخبار فيها إلا تقارير مسموعة، و مصورة عن القتل والقتلة من كل نوع وملة. هل كان درس تزكية المشاعر الذي تلقاه عن الحكيم يبقيه محتفظا بسيفه في غمده؟  أم  كان سيخرج هذا السيف ليحقن الدم بسفك مزيد من الدم . كما يزعم البعض الآن؟

رجاء هنبيزي 

مدونة مغربية              

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها