رئيس حكومة يحارب شعبه بقانون مالية

العبث بقانون المالية سيؤثر سلبا على مردود المؤسسات الاقتصادية وعلى القدرة الشرائية للمواطن ناهيك عن المديونية العمومية التي تفوق 76 مليار دينار حسب تقرير اللجنة المالية.

يقول العديدون إن أينشتاين قد عرّف الجنون بكونه فعل الشيء نفسه وتوقّع نتيجة مختلفة جديدة، والجنون الذي سنتحدّث عنه ليس بتجربة ولا محاولة اختراع وإنما هو سلوك نمطيّ أو شعور إنساني، إنه الشعور بالثقة تجاه دولة ليست جديرة بها، إنه الشعور بالثقة في ممثلين سياسيين آخر همومهم إعالة من انتخبوهم ووضعوهم في تلك الكراسي، وهي كراسٍ عالية شامخة جعلتهم ينظرون إلينا باحتقار وتململ من فوق، إنه الشعور بالثقة في رئيس يكرّس جلّ وقته في إيجاد وسائل للحفاظ على منصبه وقوته وسيادته، سيادة شعارها “إن كنت فقيرا فنحن لا ولن نبالي” .

ودلالة هذا الإهمال الحكومي هو غلاء المعيشة الحالي، غلاء منعنا حتى من التمتع بمناسبة دينية مقدسة وهي المولد النبوي الشريف، غلاء منعنا حتى من التمتع ببعض الخضراوات من أجل شبع مؤقت ينسينا هموم حياة أصبحت مليئة بالمشاقّ والبؤس إلى حد الاختناق.

شعار ثورتنا العزيزة كان “خبز وماء وبن علي لا” ولكننا قريبا قد نستغني عن الخبز والماء لكونهما من مظاهر ترف الحياة، وقد يتساءل العديد حول هذه النظرة السلبية لوضعنا الحالي ولكنها حقيقةً نتيجةٌ لما سنشهده في المستقبل القريب وهو قانون المالية الجديد لسنة 2018.

قانون عُبِّر عنه بقانون ميزانية الاستثمار والإصلاحات الكبرى من طرف من ادعوا محاربة الفساد ولكنها حقيقةً كانت وسيلتهم لتخدير الناس إذا ما استفاقوا وتمعّنوا في حقيقة ما آلت إليه البلاد، محاربة الفساد أصبحت وسيلتهم لسحر عقولنا وإجبارنا خصّيصا على تقبّل سياساتهم المتشنجة فنحن كشعب ثوري كنا ولازلنا نريد القضاء على هؤلاء الذين امتصوا ثروات هذا البلد في ذلك الزمن المظلم وهم استغلوا أيديولوجية الشعب هذه ليجعلوا من محاربة الفساد لعبة سياسية بحتة .

ولكن حديثنا اليوم يدور حول قانون المالية الجديد الذي وصفه أحمد الصديق ممثل الجبهة الشعبية بأنه قانون ما له من هدف سوى ملء خزائن الدولة بالمال من دون إعارة انتباه لوضع المواطن البسيط فالمهم هو ترف من اعتنقوا السلطة وليس ترف ذلك الإنسان الذي انتخبهم.

قانون كارثي أهمّ فصوله تعميق الفوارق الاجتماعية وإعاقة التشغيل وأولى نتائج المصادقة عليه هي انفجار اجتماعي، فهذا القانون بكل بساطة قانون ذو عامل توتر حقيقي  يدق أبواب انتفاضة شعبية إذْ لا يتضمن سوى إعاقات وإجراءات قاسية معظمها ستمس بشريحة المواطن البسيط ودلالة ذلك محاولة لجنة المالية إعادة صياغته لكثرة ارتجاله وهشاشته في سعي منها لوضع حد أدنى من المنطق في بنوده فقيمة الأسعار سترتفع بأكثر من 1200 مليار دينار أما بالنسبة للجباية فسترتفع بما يفوق 2000 مليار دينار حسب ما صرحت به الجبهة الشعبية في اجتماعاتها المنددة بالرفض التام لمشروع الميزانية هذا، وليس ذلك فقط ، إذ أن هذا القانون لم يكتفي فقط بفرض إجراءات قاسية على المواطن عبر التأثير سلبا وتعجيز قدرته الشرائية بل هاجم أيضا المؤسسات حيث قام بالتثقيل عليها ووضع إجراءات ليس لها من هدف سوى إعاقة التشغيل والانتدابات وللذكر فإن نسبة البطالة الحالية في تونس هي 15,3% عامّة و 30% عند أصحاب الشهادات العليا خاصّة حسب ما أصدرته وكالة الإحصائيات  الوطنية فما الجدوى من الترفيع فيها ؟ أفلا يجب المحافظة على مواطن الشغل وتنميتها بدلا من الحد فيها ، أ لم يكن أحد أهداف الثورة الأساسية هو المطالبة بالتشغيل والحد من البطالة ؟

إنّ التنمية مبنية على ثلاث أسس وهي الاستثمار والتصدير والاستهلاك وقد حاولوا جاهدين من اعتنقوا الكراسي أن يؤثروا عليها سلبا إذ تم ضرب السيولة ما أثّر سلبا على الاستثمار وقاموا بتعويم الدينار ما أطاح بقدرتنا التصديرية ثم أثقلوا كاهل المواطن البسيط في محاولة منهم لقتل الاستهلاك وبالتالي فإن أحلام رئيس حكومتنا يوسف الشاهد حول بلوغ نسبة تنمية تقدّر ب3% لعام 2018 أصبح جزءا من لخيال .

العبث بقانون المالية سيؤثر سلبا على مردود المؤسسات الاقتصادية وعلى القدرة الشرائية للمواطن ناهيك عن المديونية العمومية التي تفوق 76 مليار دينار حسب تقرير اللجنة المالية ولكن رغم ذلك اقترضت الدولة 122 مليون أورو من البنك الإفريقي للتنمية فالحل الأنسب دائما لإنقاذ غريق هو الدفع به للغرق أكثر .

إن التحديات الراهنة صعبة والدولة التونسية في مرحلة ضعف كبرى والأزمة  لسياسية لها تأثير مباشر على الوضع الاقتصادي الراهن والذي سيتفاقم الوضع بسببه وسينعكس مباشرة على حياة المواطن .

إن النظرة المستقبلية الآن يسودها السواد فأمل الشباب في مستقبل أفضل يندثر يوما بعد يوما وهذا ما سيشجع أكثر ظاهرة الهجرة غير الشرعية كما لا ينبغي أن نتناسى السوق الموازية والأطراف المحتكرة للبضائع فحملة محاربة الفساد المزعومة يجب أن تشمل هذه الأطراف أيضا.

الحلول الواقعية الملموسة متواجدة ولكنها صعبة التنفيذ في ضل هذه الانقسامات التي ستكون نتيجتها طوفانا يعم الجميع ويغرق البلد في أزمة اقتصادية شبيهة بالتي عانت منها اليونان أو أخطر.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها