ذاكرة المدرس بلا ذكرى

تحل يوم الخامس من أكتوبر ذكرى الاحتفاء بالمدرسات والمدرسين، من خلال اليوم العالمي لهذه الفئة، والذي أقرته منظمة الأمم المتحدة سنة 1994، من أجل الاعتراف بوظيفتها النبيلة وأهميتها في إنشاء مجتمعات التعلم والمعلومات والمعرفة.

ويأتي هذا اليوم الذي يشاع في المغرب أنه عيد سنوي، بعد 52 عاما على انعقاد أول مؤتمر لحكومات العالمية بشأن التربية والذي صادقت خلاله على توصيات مشترَكة بين (اليونسكو) ومنظمة العمل الدولية، تتعلق بأوضاع المدرسين وتحدد إطارا واضحا لحقوقهم وواجباتهم، هؤلاء الذين يضاعف عددهم الآن عدد سكان المغرب، وفي عهدتهم أطفال ومراهقين وشباب،  يزيد عددهم عدد سكان الهند.

كثرت مطالب المدرسين المادية والمعنوية وتنوعت من بلد إلى بلد، وازدادت رغبات الحكومات في الإنصات إليهم والاهتمام أكثر بأوضاعهم الاجتماعية ومستلزماتهم التعليمية، لضمان تعليم منتج وجاد، وجعل قطاع التعليم من أولى الأوليات الوطنية.

كل الدول تدرك ضرورة الرقي بقطاع التعليم، وأهمية تكريم وتعظيم المدرسين، و فرض الثقة وحسن النية في خدماتهم، لكونهم المحرك الأساسي لكل عملية تعليمية، إلا الحكومة المغربية التي صدت أبوابها في وجه المدرسين، و أخلفت وعودها في نهضة وتنمية القطاع، وأطاحت بالمعلمات والمعلمين من أعلى سلالم الرسل والأنبياء، إلى أسفل السافلين.

أخفق التعليم بالمغرب رغم ما تمت برمجته من مخططات وبرامج ورؤى مستوردة من (الخالة فرنسا)، الدولة التي تعيش من خيرات بلدان أفريقيا، وتتغذى من سواعد وعقول سكانها، ورغم ما تم اعتماده من مناهج ومسالك وطرق تدريس هجينة، وما صرف من أموال باهظة عند تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتعليم.

زادت وضعية المخطط الاستعجالي انحدارا بسبب ما يجري حاليا من (تتقين) عوض (إتقان) و (محفظات) عوض (محافظ)  و(التربية المدرسية) بدلا من (التربية الإسلامية)،  و(رساءل) عوض (رسائل)، وعوض التركيز على الصباغة والطلاء والنجارة والحدادة، وفرض تهيئة وإصلاح المؤسسات التعليمية، بدون أرصدة مالية كافية

يضاف إليها ما أصبح يلاحق حصاد وزير التعليم الحالي والوزير السابق لأم الوزارات (الداخلية)، من انتقادات وهو في بداية مشواره على رأس التعليم المدرسي والعالي، بلغت إلى حد مطالبته بتقديم استقلاته، وزفه في الشارع العام بعبارة (ارحل، ارحل).

ومع كل إخفاق تتوجه أصابع الاتهام إلى المدرسين، وتنهال عليه تهم التغيب والتسيب والإهمال والتكاسل والعنف، بل إن وزير الوظيفة العمومية الحالي، الذي لم (يسخن) مقعده بعد،  كاد أن يفتي في شأن استفادة أطر التدريس من العطلة الصيفية، وربما كان سيقضي بإحالة هيئة التدريس على الحقول من أجل دعم حصاد الفلاحين أو على سجون المملكة السعيدة من أجل إعادة الإصلاح والتهذيب، رأى الوزير فيما يراه النائم في منامه، أن على الأستاذ أن يعاقب على كل تلميذ تعثر دراسيا، وأنه لا يعقل أن يكون هناك تلاميذ راسبين، ويستفيد مدرسوهم من العطل الصيفية.

رغم علمه أن الخريطة المدرسية التي يسطرها المدرسون، تغرف من تحت الوادي، وتمكن من نجاح تلاميذ إلى مستويات أعلى، رغم أنهم لم يستوعبوا دروس وبرامج المستويات التي كانوا يدرسون بها، فالعملية تبدو وكأن المدرس يحاول أن يشعل مصباحا يشتغل ب120 فولت، بتيار كهربائي بضغط 360 فولت، والنتيجة طبعا أن المصباح سينفجر، وأن التلاميذ لن يفشلوا فقط في دراستهم، بل إنهم سيهجرونها أو سيحولونها إلى فضاءات للانحراف والعنف والفساد.

نسي وزير الوظيفة العمومية الحالي والمدرس السابق، أو (تناسى)، أن قطار المنظومة التعليمية لا يقوده ربان واحد، بل هناك عدة متدخلين من عدة جوانب علمية وتقنية وأخلاقية وعاطفية ومالية واجتماعية وداخل وخارج حرم المؤسسات التعليمية .

بداية بالأسرة والإعلام التلفزيوني والشبكات العنكبوتية، ومرورا بالشارع العام والوضع المعيشي المتدهور لدى معظم الأسر، بسبب عدم تمكن وزير الوظيفة العمومية وسابقيه من تشغيل الشباب العاطل من حاملي الشواهد العليا المفروض أن يكونوا القدوة والقائد للجيل المقبل، وألا يرسخوا لديهم الإحباط واليأس والمستقبل الدراسي المظلم.

قبل أن نعرج إلى داخل المدارس حيث الأطر التربوية والإدارية والبنية التحتية للمدارس ووضعها الجغرافي بالنسبة التلاميذ والعاملين بها، وننتهي بطرح السؤال الطويل والعريض من حيث المعنى والمفيد: هل الدولة المغربية تريد فعلا تعليم أبنائها ؟؟ أم أن من يتدبروا أمورها يكتفون مؤقتا بتعليم وتكوين أبناء وبنات النخب، ويخشون من تثقيف وتعليم باقي أبناء الشعب؟؟ ونسي الوزير أن هيئة التدريس، تتبرع (رغما عنها) على الصحراء المغربية، بثلاث ساعات عمل أسبوعيا، فرضت عليهم في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.

حل العيد ولسان حال المدرس المغربي يردد بيت المتنبي الشعري: 

عيد بأية حال عدت يا عيد… بما مضى أم بأمر فيك تجديد

وتكتفي الوزارة بالتنصيص على اليوم العالمي المشار إليه في مقرر الوزارة الوصية، إلى جانب الأعياد والأيام الوطنية والعالمية التي تبقى حبرا على الورق، كعيد المدرسة  واليوم الوطني للآباء وأولياء أمور التلاميذ، وتحرص على ذكرها، دون توفير الإمكانات المادية واللوجيستيكية لإحيائها والاحتفاء بها، وفق برامج وأنشطة تضمن كرامة المدرس، والاحترام الواجب له.

الاكتظاظ وكثرة ساعات العمل وانعدام قاعات للأنشطة، بل حتى الدعم المدرسي، هذا دون الحديث عن معدل الانحراف الذي تزايد في صفوف التلميذات والتلاميذ، انحراف في اتجاه المخدرات وحبوب الهلوسة والخمور، وانحراف جنسي وأخلاقي، وانحراف العنف والسرقة، وانحراف إلى اللهو ومصاحبة الهواتف النقالة، إذ صفحات الفيسبوك والواتساب وباقي مواقع التواصل الاجتماعي.

قد يكون بين المدرسات والمدرسين من يفسدون داخل المؤسسات التعليمية، وقد يكون بينهم من لا صلة لهم مع التربية والتعليم، لكن هذا لا يعطي الحق لأي كان أن يحط من أسرة التعليم، وأن يصدر أحكاما ويعممها على الصالح والطالح، فالفساد مستشري في كل القطاعات العمومية والخاصة، وعلى الجهات المسؤولة أن تجد الآليات اللازمة لاستئصال بذرات الفاسدة، ورعاية تلك الصالحة، لأن الفاسد الأكبر هو من يدين الأبرياء ويعاقب المصلحين والشرفاء بتهم المفسدين، والخائن الأكبر هو من يسعى وراء ترسيخ الإحباط واليأس في النفوس، وزرع الفتن وعدم الثقة بين المدرس والتلميذ والآباء والأمهات.

الثلاثي الذي بتماسكه لاشك سيعيد بريق الأمل إلى التعليم بالمغرب، ويضع حدا لحالة الوفاة السريرية التي دخل فيها، فهل سيطل فجر ذاك اليوم، حيث يصبح لذاكرة المدرس المغربي ذكرى، بل ذكريات يرويها عند تقاعده للأجيال المقبلة، أو حصاد تربوي في مستوى التأريخ في كتب ومجلدات، هذا إذا ضمن العيش بعد التقاعد أو حتى بلوغه. 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها