ديمة طهبوب تكتب: صناعة الإرهاب

اصطناع التهم و إطلاقها و توظيفها ونشرها أصبح مهمة سهلة في عالم معولم تمسك بخيوط تفكيره وتصرفاته آلة إعلامية تحترف التضليل بحسب التمويل و الأهداف السياسية. يتبع

اصطناع التهم و إطلاقها و توظيفها ونشرها أصبح مهمة سهلة في عالم معولم تمسك بخيوط تفكيره  وتصرفاته آلة إعلامية تحترف التضليل بحسب التمويل و الأهداف السياسية!

إن جزءا من فهم المصطلح و تطبيقاته يكون بضبط و فهم معناه اللغوي كما يصوغه العلماء في المعاهد لا كما يطبقه الساسة و قادة الجيوش في الواقع، و لكن ليس لكل المصطلحات معان موضوعية و عقلانية بل إن التطبيق هو ما يعرّف الناس بها و يعطيها صفتها الأدوم فمصطلح الإرهاب كما تعرفه أمريكا و الدول الأوروبية و المؤسسات الدولية بدأ استخدامه في عهد ريغان و كان يعرف في الكتب و التعميمات الصادرة عن الإدارة الأمريكية بأنه “الاستخدام الممنهج للعنف أو التهديد بالعنف لتحقيق أغراض سياسية أو دينية أو أيديولوجية من خلال الترويع و التخويف و الاستبداد”.

و لكن ما بين السطور والشروحات غير المعلنة والرسائل غير الرسمية كان هناك توجيهات لأقطاب الإدارة الأمريكية بأن لا بأس في استخدام القسوة على الإرهاب و استخدام كل الوسائل الممكنة لحماية الحق!! و لكن من يحدد جانب الحق و فريق الحق؟! هو الفريق الذي تتبناه و تسانده أمريكا وغير ذلك هو الفريق الإرهابي الذي يجب استخدام كل الوسائل ، مهما كانت بشاعتها، للقضاء عليه دون ملامة ولا محاسبة فإلصاق تهمة الإرهاب بالفريق الآخر يكفي لنزع أي حرمة و قدسية عنه و قتله دون مطالبة أحد بديته أو القصاص له و بهذا تكون الجريمة مكتملة العناصر دون كشف للمجرم أو معاقبة له أو حتى توجيه أصابع الاتهام له!!.

الإرهاب تهمة و لكن اثباتها صعب و العالم لم يعد أعمى و لا أبكم بالكلية و لكن طريق التحرر طويل و محفوف بالتضحيات

إلا أن أمريكا بسياساتها و معاييرها المزدوجة وقفت عام 1987 و صوتت ضد قرار أممي يدين الإرهاب معترضة بالذات على الفقرة التي جاء فيها “الإرهاب لا يشمل الدول و لا الجماعات الذين يسعون نحو الحرية و الاستقلال و تقرير المصير فهؤلاء ليسوا إرهابيين و يضاف لهم أي شعوب تُنتهك حقوقها و بالذات الشعوب المُحتلة أو المحكومة من أنظمة قمعية وعنصرية وهؤلاء الشعوب يجب أن يتلقوا الدعم و المساعدة”.

أما لماذا وقفت أمريكا، رائدة ما يعرف بالحرب على الإرهاب، في وجه إقرار هذه القرار الذي يعرّف الارهاب و يحدد من ينطبق و من لا ينطبق عليه فببساطة لأن أول المتأثرين من هذا القرار و أول من سيوصم بالإرهاب و يعاني من تبعاته من الملاحقة القانونية و العقوبات الدولية هي ربيبة أمريكا: “إسرائيل”.

فتعريف الإرهاب كما تريده أمريكا و تستخدمه يشمل أن ما تفعله هي تجاه الآخرين ليس إرهابا بل هو تدخل إنساني بنية حسنة أو إجراء جراحي سريع و مؤثر وحتى لو بدأت أمريكا بالاعتداء فلا بأس إذا كان ذلك يحقق مصالح عليا هي أيضا من يحددها و فقط ما يفعله الآخرون ضدها هو الإرهاب و لو كان ذلك في أبسط صور الاعتراض على سياساتها.

والتلاعب بالمصطلحات حسب الحاجة هو ما لجأ اليه رئيس وزراء بريطانيا السابق و مبعوث الرباعية الى الشرق الأوسط توني بلير في مقالته الشهيرة بعد الانقلاب في مصر و الذي رفض وصفه بالانقلاب بينما قال أنه في بريطانيا لا يتدخل الجيش في الحكم ولا تكفي المظاهرات لتغيير نظام الدولة كل ما تفعله أنها تغير الحكومات و واجبنا التدخل لإعادة الاستقرار للشرق الأوسط!!.

تعريف الإرهاب كما تريده أمريكا و تستخدمه يشمل أن ما تفعله هي تجاه الآخرين ليس إرهابا بل هو تدخل إنساني بنية حسنة أو إجراء جراحي سريع و مؤثر وحتى لو بدأت أمريكا بالاعتداء فلا بأس إذا كان ذلك يحقق مصالح عليا

أمريكا وبريطانيا والعالم المتحضر لا ينطبق عليهم ما ينطبق علينا فلسنا من الرشد بمكان لنأخذ و ننفذ قرارتنا فهل من الممكن أن تتساوى الرؤوس؟!.

إن الحرب على الإرهاب التي اخترعتها أمريكا نهايات القرن الماضي لإحكام سيطرتها على العالم و إيجاد موطىء قدم لها حيثما أرادت بذريعة محاربة الإرهاب هي من أدت إلى إيجاد التطرف في العالم العربي، و قد نختلف على الوصف بالتطرف فمن الناس من يرون هذه الجماعات مدافعة عن الدول والشعوب  وشعارها اخرجوا من أرضنا و لا نقربكم، و لكن أمريكا وظفت وجودهم لزيادة توغلها في المنطقة بهدف واحد هو السيطرة على مصادر الثورة و الطاقة.

فنظرية افتعال أمريكا لأحداث 11-9 أو على الأقل سكوتها بعد علمها بوجود المخطط نظرية معتبرة في تفسير الأحداث لأنها بعد هذه الكارثة انفلتت في العالم العربي بأذرع اخطبوطية احتلالا و تقسيما بحسب مصالحها فقد حرص بعض أقطاب السياسة الأمريكية وأعوانهم مثل رمسفيلد وولفوتز و زلماي خليل زاد على إطلاق مشروع القرن الأمريكي الجديد PNAC (Project for the New American Century) و الذي يقول في أدبياته إن أمريكا بحاجة إلى بيرل هاربر جديدة لتطبيق سياستها حول العالم، و هذا ما حققته أمريكا فبعد بيرل هاربر دمرت شعبا بالقنابل الذرية دون أن يلومها أحد و بعد 11-9 حكمت العالم دون أن يسألها أحد.

ثم تلاعبت أمريكا بباقي المصطلحات و الممارسات السياسية فأصبحت الديمقراطية لا تعني خيار الشعب الحر و إنما انتخاب من تريده أمريكا و بغير ذلك لا تكون ديمقراطية و يصبح دور أمريكا، شرطية و حارسة الديمقراطية، إلغاء النتائج الديمقراطية للحفاظ على الديمقراطية!!! و لو أدى ذلك الى الكوارث وعدم الاستقرار والخسائر فذلك له أيضا تغطية أمريكية و تفسير مقبول وجاهز للتسويق الإعلامي.

 فالكوارث التي تحصل بعد الانقلاب على الديمقراطية التي لا تعجب أمريكا تكون من باب الأذى غير المعتمد و هو ما أسمته أثناء الحرب على العراق، collateral damage، أو اللااستقرار البناء constructive instability و الذي لا بد منه حتى تعود الأمور إلى طبيعتها و نتقدم إلى الأمام و في هذه الأثناء من الاحتلال غير المرئي أو حتى المرئي بالقواعد والقوات الخارجية تنجز أمريكا ما تريد فعله في الدول و المنطقة!.

ويقول تشومسكي في كتابه (الحرب الخطرة Perilous War) أن أمريكا سيدة النفاق و هي لا تهتم بحقوق المرأة و الطفل والحريات والأقليات كما تدعي في الدول التي تتدخل فيها، هي فقط تهتم بحكم العالم و مصالحها و عدم فقد السيطرة للدول و القوى الناشئة والجماعات الصاعدة فهي تتعامل مع الشرق الأوسط ودول العالم الثالث منذ إدارة الرئيس ويلسون كالطفل الشقي naughty child الذي لا يعرف مصلحته و يحتاج يدا حازمة stiff hand  لتأديبه!!!.

وعلى آثار أمريكا السيئة قامت دول العالم الثالث بإصدار قوانين إرهاب بهدف التضييق و إحكام السيطرة على شعوبها وبهذا كلما قامت الشعوب للمطالبة بالإصلاح تُتهم بالإرهاب للقضاء عليها وما تهم إطالة اللسان و تقويض النظام واقلاق السلم العام إلا تهما جزافية اصطنعها العرب كما اصطنعت أمريكا الإرهاب.

افتعال أمريكا لأحداث 11-9 أو على الأقل سكوتها بعد علمها بوجود المخطط نظرية معتبرة في تفسير الأحداث لأنها بعد هذه الكارثة انفلتت في العالم العربي بأذرع اخطبوطية احتلالا و تقسيما بحسب مصالحها

إن من يتحكم بالمصطلح و المفهوم يملك القوة في تطبيقه بالطريقة التي يراها مناسبة، و سيراها البشر مناسبة حتى لو كانت تهوي الى درك الحيوانية فشيطنة الخصم تسقط عنه الإنسانية و تصبح تصفيته حلالا مرغوبا فيه و مستحبا، والقوة المعرفية التي مكنت أمريكا من انتاج المصطلح و غسيل الأدمغة هي خطيرة بذاتها كاستخدام الأسلحة التلقليدية.

أمريكا هي من تمسك بخيوط المشهد حتى وإن استخدمت دمى متحركة من الدول العربية لتظهر في الواجهة و لكن ما تزال هناك عيون محايدة و شعوب حول العالم لا تدخل في بيت الطاعة الأمريكي و هي رأت و ترى و سترى أن السلمية ستكون أقوى من الرصاص على المدى البعيد و أن السلم ليس استسلاما و أن الكف ستصمد للمخرز مع دفع ضريبة التضحية التي لا بد منها لكل شعب تحرر حول العالم.

الإرهاب تهمة و لكن اثباتها صعب و العالم لم يعد أعمى و لا أبكم بالكلية و لكن طريق التحرر طويل و محفوف بالتضحيات.

د. ديمة طارق طهبوب
ناشطة إعلامية أردنية

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها