د. أكرم كساب يكتب: سلام الله على رابعة

رابعة.. لم تكن رابعة سوى مكان محدود قابع في مدينة نصر أحد أحياء القاهرة المشهورة.إشارة مرور لم يكن يعرفها سوى أبناء المنطقة. يتبع

رابعة .. لم تكن رابعة سوى مكان محدود قابع في مدينة نصر أحد أحياء القاهرة المشهورة.

إشارة مرور لم يكن يعرفها سوى أبناء المنطقة، وبعض المترددين عليها من أبناء جامعة الأزهر بحكم قربها منها. وهي بلغة إعلاميي الانقلاب ورواد الدكاكين الفضائية مجرد إشارة.

فما الذي حدث وجعلها تتحول إلى رمز إنساني؟ الذي حدث أن الأحرار من أبناء الشعب المصري رأوا حلمهم يسرق، وحريتهم تقيد، وآمالهم تذبح بقرار جاهل من عسكري أحمق.

أضحت رابعة مآوى الأحرار، يهوي إليها عشاق الحرية، وباغضو الاستعباد والاستبداد، من كل الأطياف: مسلم ونصراني، إسلامي وليبرالي، رجل وامرأة، صغير وكبير، غني وفقير، جمع الكل حبُ البلد، وعشقُ الحرية.

كان معتصمو رابعة  أكثر الناس رؤية للمستقبل لأنهم أدركوا أن سكوتهم يعني الاستبداد بعينه، والاستعباد بذاته، والقمع لا غيره، والتسلط لا سواه .. وهو ما نراه الآن.

وبعد مضي شهر وقريب من الشهرين كانت المجزرة التي لم تر مصر في تاريخها ربما مجزرة مثلها.. وخصوصا أن المقتول مصري .. والقاتل مصري .. فأضحت رابعة حدا فاصلا بين الإنسانية واللاإنسانية .. بعد أن تم قتل الإنسان المسالم ببرود، وفاحت رائحة الشواء .. ليس للحم حيوان وإنما للحم الإنسان، ودفن المصريُ المصريَ أخاه حيا.

وفي غضون ساعات كان المجرم  قد قتل من المصريين ما لم يقتل الصهاينة منا في حرب 67، وما لم يقتله المصريون من الصهاينة في حرب 73، وأسر من المصريين الأحرار الأشاوس ما فاق عدد الأسر الصهاينة في عام 73.

رابعة يا سادة لم تعد اسما لهذه المرأة العابدة، ولم تعد مجرد إشارة مرور، ولم تعد مجرد حي في مدينة نصر، لكنها والحق يقال أضحت رمزا للصمود، وعنوانا للحرية، وصفحة للتضحية، ومنهجا واضحا في الثبات والفداء.

لقد أضحت رابعة كاشفة فاضحة لكل زيف وضلال، كشفت دعاة حقوق الإنسان الكذبة المتاجرين بالمبادئ والقيم.

كشفت الدعاة الذين أدمنوا الدعوة من خلال شاشات في غرف مكيفة .. كشفت أصحاب التدين الذين يريدون تدينا لا يكلف، ودعوة لا تضحية معها

كشفت المتاجرين بالحريات .. كشفت النظام العالمي المتاجر بالديمقراطية.. وأخيرا فقد كشفت رابعة الثوار وأعلنت أن الثائر الحق هو الذي يثور على الباطل مهما كان. أما الذي يثور وقت أمنه على نفسه وماله وفقط فهذا ثائر لنفسه لا لأمته ولا لدينه ولا لوطنه.

فسلام الله على رابعة الزاهدة .. وسلام الله على رابعة الشاهدة .. وسلام الله على “النهضة” أخت رابعة.. وسلام الله على شباب حلوان والمعادي والمطرية وعين شمس .. وسلام الله على ناهيا والمنصورية وفيصل والهرم ودلجا الثائرة..

وسلام الله على أهل الصعيد الصابر.. وسلام الله على رجال مدن القنال الباسلة.. وسلام الله على كل ثائر ومناضل وثابت.. وسلام الله على كل شهيد ومعتقل.. وسلام الله على الأحرار أينما كانوا.. وسلام الله على من يعمل لعودة الحرية، وتمكين شرع الله في مصرنا.

 
د. أكرم كساب

كاتب مصري

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها