خولة غريبي تكتب: عن المعنى فيما نعيش

لابدّ من أن أكون يقظة كي لا أذوب في اليوميّ كقطعة سكر في بحر مالح،لابدّ من أن أكون حذرة من التعامل مع الخطوات والعتبات بإسلوب ميكانيكيّ يسرق إرادتي و إيماني وبصمتي.يتبع

 خولة غريبي / مدونة تونسية

لابدّ من أن أذكّر نفسي كلّ مرّة وأنا أسدّد وأقارب في حلبة المعارك اليوميّة أن أسقي الأفعال بالمعاني حتّى يغدو الفعل عملا ذا أبعاد تُجيب عن أهدافي.

لا بدّ من أن أكون يقظة كي لا أذوب في اليوميّ كقطعة سكر في بحر مالح.

لا بدّ من أن أكون حذرة من التعامل مع الخطوات و العتبات بأسلوب ميكانيكيّ يسرق إرادتي و إيماني و بصمتي.

 كلّ تجربة أخوضها تقول لي أن لا شيء يمرّ بالطريقة المثلى التي تصورناها، التجربة بصرتني كم المعارك محتدمة مع الذات التي قد تتعب و تُحبَطُ و تَضعُفُ، و مع محيط نضيق بأسلوبه الماديّ الذي يسخر من إنسانيّتنا، و نضيق بمنطقه المحكوم بالمصلحيّة الصرفة حدّ الوقاحة. و الحلّ؟

لا بدّ من أن أكون يقظة كي لا أذوب في اليوميّ كقطعة سكر في بحر مالح.

 

لا بدّ من أن أكون حذرة من التعامل مع الخطوات و العتبات بأسلوب ميكانيكيّ يسرق إرادتي و إيماني و بصمتي.

الحلّ أبدا لن يكون في التوقّف عن السير و المطالبة بالتغيير الجذريّ من خلال الانتقاد اللاذع الذي قد يفضح مكامن الضعف؛ لكنه متعنّت حدّ رفض شتّى تصوّرات و محاولات الإصلاح لأن نظرته للأمور حادّة طوباويّة لا تتناسق فيها الأدوات الممكنة مع سُبل الارتقاء. الحلّ في البحث في المُمكن و التحرّك في مساحة المُتاح بذكاء لا بتعالٍ. الحلّ في النزول من شرفة الأحلام إلى مواجهة الحقائق بشجاعة.

 
التجارب اختبار المبادئ و موعد تجلّي المكنونات. أنتغنّى بالأمل وننكسر مع أوّل ألم ينفث ريحه على أرواحنا ؟ أ نُعجَب بالصبر و نحن لا نترك كلاما إلا و شحنّاه بشكوانا و سخطنا على الظروف و الزمان و الحظّ. أنتفنّن في استحضار الصور الشعريّة لوصف مشاعر محبّتنا و نحن فاشلون في عطاء حبيب يحتاج عطفنا ووطن يتعطّش لعرقنا لكي تعلو أشجاره.

 أُدرِكُ أنّ ما عاشه و يعيشه جيلي -في الوطن العربيّ- واقع مثخن بالجراحات و الخيبات و الهزائم. نعم نحن جيل ولد و فلسطين قد سُرقت من أهلها واغتصب كلّ ما هو مقدّس فيها. نحن جيل رأينا بأمّ أعيننا العراق ذي الحضارة الأصيلة يُنتهك، ويحتلّ الغريب أرضه و يستبيح حرماته، وكلّ ما هو جميل فيه يُحرق و يُدمّر. نحن جيل تربّى على الخوف من أنظمة تضع وراء الشمس كلّ من يفكّر في اختيار طريق للحياة غير التي فرضته.

لكننا جيل عاش بكل جوارحه انتفاضة الشعوب على أنظمة الظلام التي ظنت أن الحرية شمس يمكن إطفاؤها. نحن جيل الحريّة إذن !


إلى أي مدى نحن مخلصون لهذه الحريّة ؟ لأي مدى لن نكلّ من حب أوطاننا المُفقّرة ؟

 
فإلى أي مدى نحن مخلصون لهذه الحريّة ؟
لأي مدى لن نكلّ من حب أوطاننا المُفقّرة ؟
لأيّ درجة سنستمرّ في العمل لأجل مبادئنا لا من أجل مصالحنا الضيّقة ؟
لأيّ وقت سنكفّ عن أن تكون أقصى أمانينا النأي عن أوطاننا “المتخلّفة” عن ركب العولمة و الهجرة نحو الغرب الساحر بنظامه و دقّته و تدليله لمواطنيه و رفاهيته و أمواله الطائلة التي هي مفتاح سعادة الكثيرين منّا.
لأيّ زمن سنبقى يائسين من واقعنا ظانّين أن سرعة الضوء لن تكفي حتى نلحق التطوّر الذي يعيشه العالم من حولنا فما بالك بسرعتنا التي أقرب لحركة السلحفاة.


فإلى أي مدى نحن مخلصون لهذه الحريّة ؟لأي مدى لن نكلّ من حب أوطاننا المُفقّرة ؟

 
لكن دعنا نتفق عمّ سيخرجنا من مآزقنا و أزماتنا ؟ أهو الإصرار على امتلاك الأشياء أم هو الإصرار على صناعة الأفكار والإلمام بها حتّى بناء وعي جماعيّ و فهم يتقدّم بنا أشواطا في طريق الإنسانيّة. إنّ الركض وراء امتلاك الأشياء لن يزيدنا إلا تخلّفا و تشويها لحاضرنا و لمستقبلنا.

الشباب العربي اليوم لا طريق أمامه إلا طريق الوعي؛ يجب أن يحارب ألا يُزيّف وعيه و يُبرمج فهمه و نظره للأمور و ما يحصل حوله و ما يحدث له مهما كان قاسيا. أنا اليوم كواحدة  من هؤلاء الشباب أوقن أن التفاؤل -رغم كلّ القتامة التي تحيط بنا- مع المثابرة في العمل هما الواجب. أولا نحو ذاتي الإنسانية  احتراما لرسالتها التي أتت من أجلها، و من ثمّ  واجب أمام وطن يحتاجني كما أحتاجه فخرا، وحضنا لأجيال تخرج من أصلابنا نرجو لها صعودا نحو القمم الشمّاء.

خولة غريبي
طالبة دكتوراة و مدوّنة تونسيّة

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها