“خاشقجي” والضجة

 

شخص قتل و حدث ذلك للعشرات أمثاله بعضهم تم إطلاق الرصاص عليه في الشارع أو تم دهسه والأخرين تم تسميمهم والبعض اختفوا بلا أثر وكلهم لأسباب سياسية معروفة والكل كان يعرف من قتلهم ولكن من دون دليل،  بل الكثير منهم كانت له آثار أوضح وبصمات أعمق من بصمات المرحوم جمال ولكن مر موتهم أو قتلهم أو إختفاؤهم بخبر مقتضب تم ترديده والإشارة إليه أياماً معدودة، ولكن لماذا جمال؟

لعل السؤال الأكثر أهمية في قضية خاشقجي ليس من قتله، فقد تم الاعتراف والكل يعرف أسماء ووجوه القتلة ! وليس لماذا تم قتله؟  فقد تكونت لدى جمهور المطلعين فكرة شبه صحيحة عن سبب إسكاته منذ البداية والذي تسبب في قتله عمداً أو خطاً.  وليس أيضاً  ما الذي حدث لجثته؟  فمن المعلوم أنه تم التخلص من أجزائها التي سيتم العثور عليها عاجلاً أم آجلاً. بل إن السؤال الذي يقرع الأذهان ويهز العقول هو: لماذا هذه الضجة؟ وما السبب فيها؟ ولكي نعرف الإجابة لا بد أن نعلم من السبب في هذه الضجة؟ وما الغرض منها؟ وما الذي يدفع هذا الخبر للعودة إلى رأس الأخبار كلما خبت جذوته وبردت حرارته؟ ولم تتسع مساحته في الإعلام كلما ضاقت؟ والأسباب هي :

  1. شخصية خاشقجي وأسلوبه فهذا الرجل له إبتسامة محببة وأسلوب هاديء عقلاني ذكي ومتميز يطرحه بطريقة  وعبارات جذابة للمستمع هذه المزايا مكنته من احتلال منصات الإعلام فترات متعددة ومتكررة خلقت له حضورا لا يستهان به وشهرة بين المحبين والكارهين له على حد سواء.
  2. صحبته ورفاقه، نعم فعمله الذي انتقل به بين العديد من العواصم كصحفي وكاتب وإعلامي ووجوده في  بريطانيا وأمريكا كمستشار بالإضافة لعمله مع مدير الاستخبارات خلق له علاقات عديدة من الوسط الإعلامي الغربي والأمريكي على وجه التحديد. ولعل بعض التسريبات والأخبار المنتقاة و المبرمجة و التي ربما كانت تخدم بلاده في سياساتها السابقة جعلت منه هدفاً للصداقة والصحبة للعديد من العاملين في مهنة الإعلام. وربما كان أسلوبه المحترف يضعه في مكانة محترمة لدى معارفه وأصدقائه ويحصل على تقدير لا يحصل عليه في العادة الوشاة الوضيعون الذين عادة ما تكون منفعتهم من الوشاية مادية. هؤلاء المعارف يعملون في أوساط إعلامية مرموقة تحترم القوانين والأعراف ولا تلقي بالاً لمنزلة أو مكانة لأي خارج عن القانون والأعراف الدولية شخصاً كان أو حتى دولة. رفاق مخلصون للخبر ولما يجذب الإنتباه ولتفاصيل الخبر التي كلما كانت بشعة وقاسية ومثيرة للمشاعر كانت أوقع وأكثر إثارة للإنتباه، ورغم ذلك قد يكون هناك القليل من الوفاء لزميل مهنة ولكنها بالتأكيد تحتل نسبة بسيطة جداً من دوافع نشر الخبر وإعادته وتكراره .
  3. المسؤولون الحكوميون في مكان وقوع الجريمة والذين تعاملوا مع الحدث باحترافية مكنتهم من إبقائه على رأس الأخبار في القنوات وفي صدر الصحف العالمية، بل إن الخبر تم نشره في صحف لم تتناول أي خبر عن المنطقة العربية منذ عقود. و أخبرني بعض الأصدقاء أن بعض النشرات الاجتماعية في أماكن مقفرة بل وجليدية نشرت القصة بتفاصيلها بعد أسبوعين من وقوعها، والجدول الزمني المبرمج لنشر المعلومات كان بأسلوب يستحق أن يُدرّس في كليات الإعلام والصحافة، والكلمات والتعبيرات، بل وحتى الأسئلة التي تطرح على دولة الضحية والتي يمكن تشبيهها بأسئلة امتحان وضعها أستاذ وهو يعلم يقينا مالذي لم يدرسه الطلاب!
  4. ظروف قتله والخدعة الدنيئة التي تم استدراجه من خلالها جعلت للجريمة أبعاداً إنسانية لمست قلوب العديد من متابعيها، والأقاويل التي ترددت عن سلاح الجريمة البشع و الصورة التي يمكن تخيلها لطريقة استخدام آلة التقطيع ( المنشار) أو طريقة إخفاء الجريمة و إخفاء الجثة.
  5. المسؤولون الحكوميون المرتبطون بالحدث كانت تصرفاتهم عبثية ومضحكة ومثيرة للاستغراب فقد بدوا هواة تنقصهم الخبرة، والإجراءات والتصريحات العفوية والمختلقة متضاربة،  وكان الصمت  خيراً منها، تصريحات غير مرتبة ومتضادة، كذب واضح وصريح، وأن تصدرهذه التصريحات من مسؤولين حكوميين يجعلها سابقة فريدة ونادرة وغريبة أيضاً كأنه استعراض هزلي في سيرك أو فصل في مسرحية كوميديا سوداء.
  6. السبب الأخير أن طرفي الحدث أحدهما محبوب لقطاع عريض من الجماهير العربية التي تجد في تجربة تركيا مثالاً يحتذى وتتمنى أن تخوض تجربة مثلها، والطرف الآخر من القضية لا يقع من نفوسهم نفس الموقع و هذا يذكرني ببعض حلقات المصارعة الحرة  – المدبرة – التي كنت أشاهدها وأنا صغير والتي كانت شعبيتها تزداد بازدياد كراهية الناس للمصارع الشرير ومقدار حبهم للمصارع الطيب، وللأسف كل هذا على حساب ضحية لا تستحق ما حدث لها.

رحمك الله يا جمال أتعبتهم حيًّا و أجهدتهم ميتاً. 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها