حنان كمال تكتب: في طريق المعجزة

كان السؤال الذي لم انتبه له في البداية هو كيف أتخلص من الحزن. بكاء وبكيت .. كيماوي وأخدت؛ لكن هزيمة السرطان تتطلب ما هو أبعد من ذلك. يتبع

  الكاتبة المصرية حنان كمال

كان السؤال الذي لم انتبه له في البداية هو كيف أتخلص من الحزن. بكاء وبكيت .. كيماوي وأخدت؛ لكن هزيمة السرطان تتطلب ما هو أبعد من ذلك.

كان علاء السعدي صديقا لأختي .. شاب سوري الجنسية يعيش في دبي, متصوف وله دراية بعلوم الروح, فجأة وجدته يحدثني, قال لي: “إن قلبك أزرق” .. نعم!

كنت حادة جدا في التعامل مع الغرباء، واستغرقت وقتا طويلا جدا حتى أفهم أنه كان يقصد أن قلبي أزرق من الحزن. ألح عليّ أن أبدأ في ممارسة التأمل .. لم أكن أفهم ماذا يعني التأمل؟ ولا كيف سأقوم به؟

 حاولت صديقتي أمنية طلعت تعليمي؛ لكنني احتجت للبحث عن مجموعة منظمة تقوم بالتأمل, انضممت لمجموعة وجدتها أخيرا في القاهرة. بعد الجلسة الأولى, شعرت بأني خفيفة للغاية حتى إنني أكاد أطير , كانت تجربة التأمل فارقة بالنسبة لي في تغيير مفاهيمي تجاه الحياة بشكل عام وليس المرض.

لماذا نتعامل مع الحياة بكل هذه الحدة؟ ولماذا نسعى وراء أقدارنا وكأننا في سباق؟ أقدارنا مقدرة سلفا بالمناسبة أين ذهبت الطمأنينة والسلام من نفوسنا؟ منذ متى لم أعرف فضيلة الاسترخاء؟

اقترنت لدي ممارسة التأمل بعبادة ذكر الله  .. أساس التأمل هو تنظيم التنفس, مع التركيز في التنفس استشعر وجود الله ونوره, وكأنني أملأ روحي بنوره عبر الهواء الداخل إلى قلبي, أمارس التأمل بهذا الشكل؛ وكأنه جلسة مع الله, لا تغني طبعا عن الصلوات المفروضة والنوافل؛ لكنها ساعدتني لاحقا في إدراك المزيد من فلسلفة الصلاة والتركيز فيها أكثر والتغلب على السهو أثناء الصلاة.

في ذات التوقيت كانت صديقة أخرى تنصحني بصيغ بعينها للذكر وتتابع معي كل يوم, كنت ممتنة جدا لاهتمامها بالرغم أنه لم تكن تجمعها بي صداقة مباشرة .. نصحتني صديقة ثالثة بقراءة القرآن بعد صلاة الفجر مباشرة, وصديقة رابعة بالإكثار من الصلاة على النبي, كنت استغرق تماما في تجربتي الروحية متزامنة مع سير المسار الطبي كما يقرره الطبيب وكأن “ما لقيصر لقيصر وما لله لله”.

بدأت أفكر كثيرا في إمكانية حدوث معجزة, ولم لا؟ ذكر الله يقوي الروح والروح القوية لا تستبعد المعجزات.

لا تتطلب المعجزة أجواء أسطورية , ليس من الضرورة أن تبرق السماء وترعد حين يمد الله يده لينتشلك من الضياع, قد يمضي كل شيء في سياقه الطبيعي؛ لكنك ستدرك في لحظة ما أن كل ما جرى قد جرى لترتيب إلهي, وأن عناية الله بك تحدث ببساطة, لأنه ببساطة أيضا “هو أقرب اليك من حبل الوريد” , لا يحتاج لاحتفالات صاخبة ولا مهرجانات كي يعلن عن وجوده, ابتسم فانت في حياتك اليومية وفي مسارك الطبيعي لكن الله معك, هو دائما معك, عليك أنت أن تصغي لعل الوصل يحدث.

هل حدثت المعجزة؟ لا أدري على وجه الدقة, ولا أعرف هل يمكن وصف ما جرى معي بالمعجزة أو إنه يندرج تحت وصف الرعاية الإلهية؟  لكنني أدرك تماما أن الابتلاء ثم اعتيادي على ذكر الله قربني جدا من الله, وإن هذا القرب كان كل ما أريده وربما كان فوق ما أريد, لم يكن يخطر ببالي هذا النور الذي صرت استشعره, هو جميل جدا لدرجة أنك تتحمل كل شيء في سبيله, تتحمل وتكون فوق ذلك شاكرا.

صرت أتذكر صورتي .. الفتاة الصغيرة السمراء, ناحلة وبريئة لا تفارقها الابتسامة, وأشعر أنني عدت إليها, اغتسلت مما فعلته بي سنوات طوال من الركض في هذا العالم, أحب جدا تلك الفتاة، وأعلم أن الله يحبها أيضا, فلو لم يكن لما منحها كل هذه التجربة. 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها