حنان كمال تكتب “أفلا أكون عبداً شكورا “

كنت في طريقي للمستشفى كي أتلقى نوعا جديدا من الدواء الذي يحقن تحت الجلد, ليقوم بدوره فيما بعد في دعم العظام ومساعدتها في مقاومة تمدد الخلايا السرطانية. يتبع

  الإعلامية المصرية _ حنان كمال

كنت في طريقي للمستشفى كي أتلقى نوعا جديدا من الدواء الذي يحقن تحت الجلد, ليقوم بدوره فيما بعد في دعم العظام ومساعدتها في مقاومة تمدد الخلايا السرطانية, صففت سيارتي بعيدا نسبيا وسرت حتى المستشفى, كان المشي جميلا تحت شمس الصباح الدافئة, تذكرت فجأة أنني أمشي , نعم أنا أمشي بخطوات ثابتة وعادية جدا, على عكس ما توقعته طبيبة مرموقة قبل عامين بعدما اطلعت على صور الأشعة الخاصة بي “لن تتمكن من الحركة خلال شهرين “, كان بقية السيناريو الذي وضعته مساويا, ها قد مرت سنتين,  وها أنا أمشي, على قدمي, أتوجه من تلقاء نفسي للمشفى وأتلقى الأدوية وأنا في حال طيبة,  أفلا أقول الحمد لله.

قالت لي صديقتي إن الله قد قال ” وقليل من عبادي الشكور”,  لفتت نظري علي أن أكون من هذا القليل, ظللت أتأمل لماذا لا ينتبه الكثير من العباد لنعم الله وأفضاله عليهم,  لماذا لا يشكر الكثير من العباد الخالق على منحه,  لماذا نستهلك النعم دون أن نستشعرها  حقا ولو استشعرناها لشكرنا ولو شكرنا ما وفيناه حقه .

لم أكن لالتفت إلى عظمة نعمة المشي ما لم تهددني تجربة ما تقول لي إنك قد تحرمين من هذه النعمة لاحقا, كثيرا ما أقول لنفسي,  قد تتحقق نبوءة الطبيبة المرموقة لاحقا,  قد يكون كل ما فعله الدواء أنه يؤخر المآلات الحتمية لمريضة السرطان,  ربما أواجه ما هو أصعب, نعم , لكن لم يعد يقتلني القلق,  صرت أغتنم أكثر اللحظة التي أعيشها, وها أنا أمشي و أستمتع بوقع خطواتي على الأرض,  ملمس الحذاء,  أستمتع بقدمي المفرودة, أستمتع بقدرتي على قضاء مصالحي ومصالح أسرتي بنفسي, أستمتع بدخولي المستشفى وخروجي منها على قدمي, أفلا أكون عبدا شكورا .

كم من النعم لا ندركها لأنها متاحة وسهلة وغير مهددة, نعمة البصر, السمع, الكلام, التنفس,  نعمة الحياة, هل شكرت الله على نعمة الحياة .

قبل أيام ذهبت بصحبة أسرتي لتناول طعام الغداء في أحد المطاعم, كان الطقس جميلا للغاية فجلسنا في الباحة الخارجية للمطعم , كان النسيم العليل يذكرني بطفولتي,  كان كل شيء رائق وجميل وكان الطعام شهيا, كانت الموسيقى جميلة,  في أوقات سابقة لم أكن أتذكر أن أشكر الله على نعمة الأوقات الطيبة, هذه المرة تذكرت ,  حمدت الله,  ثم حمدت الله على نعمة الحمد لله,  فلولا أنها منحته ما خرجت من فمي .

صرت أستشعر أكثر وأكثر جمال الطبيعة ,  هذا الكون المرتب حولنا بأنفاس البديع, هل نظرت حقا إلى زرقة السماء, هل استشعرت دفء الشمس وهي تلامس وجهك, هل تمهلت قليلا وأنت تشرب الماء البارد لتدرك كم هو نعمة من الله, هل نظرت إلى أطفالك, أو أطفال جيرانك , هل شكرت الله لأنه منحك أخا، أو أختا محبة وداعمة, هل شكرت الله على أصدقائك, هل شكرت الله لأنك تتمكن من النعاس بأمان في كل ليلة بينما هو يتدبر أمرك, طيب هل شكرته لأنه يمنحك نهارا جميلا كل يوم فيوقظك لتبدأ رحلة جديدة .

لا أعلم أيهما يسبق الآخر, أن تكون عبدا شكورا أو أن تستشعر نعم الخالق وتتلذذ بها,  ولا أعلم منذ متى بالتحديد تغيرت فصرت أكثر استشعارا للنعم وأكثر حمد لله,  لكنني مؤخرا صرت أشعر أن هذا الكون هو ملكوت خالقي وحبيبي,  خلقه كي يدللني فيه,  وينعمني,  ولا أكف أن أطلب منه أن يمنحني المزيد من النعم, أشعر بروحه التي نفخها في الطين ليصير الإنسان, أشعر أن في قبسا من روحه, فأحمد الله أكثر وأكثر, على روحه التي أعلت من مقام الطين ليصير إنسان, لأصير أنا, ولولا هذه الروح, ولولا هذه المحبة, ما كان الكون جميلا جدا, ولا نبت الحمد في قلبي,  فالحمد لله على نعمه .

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها