تلك الأخطاء

يمكن القول إن دعوة الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود برزاني إلي إجراء الاستفتاء في إقليم كردستان العراق ومن ثم انفصال الإقليم وإعلان الاستقلال هي خطأ إستراتيجي وقعت فيه القيادة العراقية وبنفس القدر أخفقت في تقديره القيادة الإيرانية الشيعية المتحالفة معها.

ربما يقود ذلك الاستفتاء وتلك الرغبة في الانفصال إلى تمرد كل المكون الكردي نحو ثلاثين مليون نسمة المواجود في دول متاخمة مثل تركيا وسوريا وإيران وأرمينيا وأذربيجان وإعلان رغبته في الانفصال من تلك الدول والانضمام لدولة كردستان الكبرى المتوقعة وما سيصاحب هذا من زعزعة الأمن في تلك الدول وإحداث قلاقل بها بعد أن تتوجه إلى الانفصال.

كان من الممكن احتواء الإقليم والمكون الكردي مبكرا وصهره في المجتمع العراقي، ومن ثم القضاء على النزعات الانفصالية بذلك لو أن الحكومة اهتمت بهذا المكون العراقي الكردي الذي هو أصل أصيل في المجتمع العراقي وعملت على إشراكه في كل مفاصل الدولة وأنصفته واهتمت بتنميته ونال حقوقه كاملة وقامت بدمج قوات البيشمركة في صفوفها النظامية فإن هذا وحده كان كفيلا بإبطال تلك النزعة الانفصالية.

الواقع العراقي يشير إلى أن كل الحكومات المتعاقبة للأسف الشديد تعاملت مع هذا الإقليم بجفاء وإهمال، بل إنها قصفت الإقليم بالأسلحة الكيمائية المحرمة في معركة الأنفال أيام صدام حسين في وسيلة منه لإسكات وقمع الدعاوي الانفصالية وللأسف الشديد فإن هذه الرغبة في الانفصال التي لم تلاحق بدعوات للحوار الوطني والمفاوضات والمناصفة.

هذه الرغبة كانت تقودها بجانب الإحساس بالتهميش والإبعاد المتعمد وعدم المشاركة تقودها أيضا الدوافع العرقية باعتبار أنهم كرد وليسوا عربا وهذه آفة جاهلية أخري ابتليت بها بعض مجتمعاتنا الإسلامية وهي آفة النزعات العرقية والعصبية والدعوة إلى الأصل والعرق وهذا ينطوي على أن الانتماء بات بالأعراق والقوميات مع أن هذا هو ما دعا إسلامنا الحنيف إلى محاربته والابتعاد عنه وأن الناس سواسية لا فرق بين عربي أو أعجمي أو أسود أو أحمر إلا بالتقوى.

وفي الوقت الذي يرفع فيه الإقليم دعوته ورغبته في الاستفتاء والانفصال فان أول المباركين لهذه الدعوة والرغبة والمجاهرين بمناصرتها هم أعداء الأمة الإسلامية الذين يقتنصون كل سانحة للنيل منها وإضعافها بكل الطرق والوسائل ما استطاعوا إلى ذلك خاصة النزعات العرقية والانفصالية وأي دعوي أو إعلان يكون التفكك والتفتت خلفه.

ومع هذا فقد كان اتصال إسرائيل بأكراد العراق مبكرا منذ الستينات وعملت على مساعدتها بتقديم الدعم المادي والتدريبات والأسلحة إلى الحد الذي صرحت فيه وزيرة العدل الإسرائيلية لإقامة دولة مستقلة للأكراد وحثت الطرفين الإسرائيلي والكردي على تعزيز سياسة التعاون المشترك بينهما لأن دعم التوجه الانفصالي للأكراد يساعد في زيادة تأمين إسرائيل من الدول العربية المجاورة.

إن التقارب الكردي الإسرائيلي يعتبر بمثابة اختراق لأربعة دول وهي إيران وتركيا وسوريا والعراق من ناحية، وتقطع الطريق أمام النفوذ المتمدد لإيران من ناحية ثانية، وفي كل الاحتمالات المتوقعة مثل إعلان الانفصال والاستقلال أو اندلاع الحرب الأهلية، فإن كلا الاحتمالين سيكون رصيدا جيدا لإسرائيل لحمايتها من جهة إذا تم الاستقلال والانفصال أو الانشغال عنها من جهة ثانية.

إذا اندلعت -لا قدر الله-الحرب الأهلية والتي ربما تكون بين الدولة والأكراد، أو بين الأكراد والأكراد خاصة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني الذي يسيطر على مدينتي أربيل ودهوك، وبين الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني الذي يسيطر على مدينة السليمانية من جهة ثانية أو بين الأكراد السنة والحشد الشعبي الشيعي من جهة ثالثة.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها