تابوت الإسكندرية: لعنة أم فضيحة؟

شهد المصريون صباح الخميس التاسع عشر من يوليو/تموز واقعة فتح التابوت الأثري، المكتشف بمدينة الإسكندرية، وهو الحدث الذي نال شهرة واحتفاء كبيرين في وسائل الإعلام العالمية، فُتِح التابوت ولم يصحب ذلك لعنة كما أشيع في الإعلام الغربي، (وهل توجد لعنة أكبر من سنوات حكم السيسي؟) بل هي صدمة وحيرة، ظهرت بشدة في أحاديث وتعليقات المصريين وتساؤلات مشروعة تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي!

 فالكشف الأثري، الذي عَثَر عليه أحد المواطنين أسفل عقار يمتلكه، في أوائل هذا الشهر، تأخر فتحه كثيرا، وعلى الرغم من هذا التأخير، فقد جاءت واقعة فتحة، بشكل مخزٍ ومثير للشفقة، حيث بدت مصر جمهورية موز أو دولة عسكرية، قَدِمَت فجأة من العصور الوسطى.

تقف فيها كتائب جيش تستعد لحرب مزعومة مع مومياوات التابوت، وتحت ستائر قماشية حمراء، بدت وكأنها (فراشة الحاج إسماعيل في فرح بنته شيماء)

 وقف المتحدث باسم وزارة الآثار، يكيل المدح والثناء، لقوات الجيش وأفرعه العسكرية، ورجاله من العساكر والضباط يشيد بدوره الذي لولاه ما استطاعوا فعل شيء يُذكر،

 وهو ما خلق سؤالا منطقيا توارد على ذهن المصريين: إذا كان الجيش هو من يحكم البلاد ويتحكم في سياستها، والاقتصاد والتعليم والتموين، والإسكان والطرق والمواصلات، وأخيرا الآثار، لماذا تتخذ الدولة إذن عشرات الوزارات، التي تستنفذ من خزانتها العامة المليارات؟

وقف الأثري بكل فخر، يعلن أن التابوت ليس بالأهمية التي زعمتها له وسائل الإعلام، ويؤكد أنه ليس للإسكندر المقدوني كما ينتظر الجميع، ولا لقائد ولا شخصية ذات ثقل أو تاريخ، وأنهم لم يعثروا بداخله سوى على ثلاث جماجم وبعض العظام البالية، غارقة في مياه بلون أحمر قانٍ!

يستكمل الأثري حديثه بذات الثقة، قائلا: المياه ليست زئبق أحمر كما أشيع، بل هي مياه قذرة قادمة من الصرف الصحي، تسربت إليه على مدار السنين، فالعقار المبني فوقه، لم تكن لديه مواسير ترتبط بشبكة الصرف، بل يتم تخزين الفضلات به في (بياره) يتم شفطها والتخلص منها في كل حين،

وهي الطرق البدائية التي هجرها العالم المتحضر منذ أمد بعيد، وستحتاج بالطبع لمترجم مصري خاص يشرح معنى كلمة (بيارة) للفضائيات والصحف العالمية التي تتابع الحدث!

يتساءل المتابعون: تابوت هو الأضخم من نوعه، بعرض ثلاثة أمتار وارتفاع مترين، ومدفون تحت عمق كبير، ومصنوع من الجرانيت الأسود القادم إلى الإسكندرية من أقصى الجنوب، من محافظة أسوان، ومدفون بجانبه تمثال من المرمر، كيف يكون لميت عادي؟!

ثم كيف يتم التخلص من السائل الموجود بداخل التابوت (مهما كان مصدره) بوضعه في (جراكن) وسكبها هكذا على قارعة الطريق؟!

ولماذا لم تظهر مياه الصرف الصحي في الصور التي تم التقاطها للتابوت لحظة الاكتشاف؟!

وكيف تسربت المياه إليه وقد أُعلن من قبل أن الغطاء ملتصق بعناية بجسد التابوت والذي يزن قرابة الثلاثين طنا؟!!

ولماذا دأبت السلطات المصرية طوال الأيام الماضية على التقليل من شأن الحدث وتجاهله، بل وصل الأمر بالأثري الشهير، المعروف بعلاقات القوية بنظام مبارك (زاهي حواس) أن يصرح منذ أيام، باستحالة أن يكون التابوت للإسكندر الأكبر، وأن المقبرة فقيرة للغاية وليست ذات أهمية؟!!

 وإذا كان الحدث قد حظي باهتمام العالم وصحفه وفضائياته وتشوق لمتابعته الملايين، فكيف يتم إخراجه بهذا الشكل المهين؟!

كيف لم يتم استغلال الحدث واستثماره لإعطاء زخم إعلامي يروج لاسم مصر، ويبث الروح في جسد السياحة المتهالك، والذي تعمد نظام السيسي الاضرار به على مدار سنوات، فهذا تقصير أمني مريع أدي لسقوط طائرة روسية ومقتل جميع من فيها في حادث مفجع على أرض سيناء، وذاك خطأ كارثي دفع بالجيش لضرب سياح مكسيكيين بالأباتشي في غرب مصر أثناء رحلة برية لهم في الصحراء، وتلك نغمة نشاز، ملَّ من سماعها العالم، عن محاربة مصر للإرهاب، يتغنى بها السيسي صباح مساء!

يتساءل المصريون: لماذا لم يتم دعوة الصحف العالمية ووكالات الأخبار لرصد وتصوير لحظة فتح التابوت واكتشاف ما فيه، ونقلها على الهواء؟!

كيف يثق الشعب في سلطة دولة أقرت من قبل بسرقة 33 ألف قطعة أثرية من مخازنها، وعوضا عن التحقيق في تلك السرقات وإحالة اللصوص فيها للقضاء، أصدر قائد الانقلاب -بعد أن نصب نفسه رئيسا للمجلس الأعلى للآثار- قرارا يقصي بإزالة الكاميرات من المخازن.

 (وكأنه الضوء الأخضر منه لاستكمال مسلسل النهب والسرقات)

كيف يثق الشعب في سلطة دولة، تؤكد التقارير بها أن مافيا التجارة السرية في الآثار الفرعونية تحقق مكاسب يزيد حجمها على 20 مليار دولار سنويًا، وهو مبلغ يعادل ضعف دخل مصر من السياحة في سنوات الانتعاش؟!!

كيف يثق شعب في سلطة دولة، شهِدَ على يديها أعجب عمليات تهريب آثار في التاريخ الحديث؟ مرة: تعلن السلطات الكويتية عن ضبط تمثال فرعوني يقارب طوله المترين، موضوع داخل (كنبة) بعد خروجها من مصر بكل سلاسة، ومن منافذ الشحن الرسمية بالبلاد، ومرة، تكتشف السلطات الإيطالية 22 ألف و720 قطعة أثرية داخل حاوية دبلوماسية ضخمة، بداخلها 151 تمثالا و5 أقنعة مومياوات بعضها مطلي بالذهب وتابوت خشبي ومركبين صغيرتين وآلاف العملات، كنوز أثرية لا تقدر بثمن، تم تهريبها بكل أريحية من مصر، لم يتم تفتيشها، ولم تنتبه لها أبسط أجهزة الكشف المتوافرة حتما بالجمارك والموانئ والمطارات!

لا ينتهي الأمر عند هذا الحد، فالمذهل، ليس فقط في خروج الحاوية بسهولة ويسر عجيبين، بل أيضا في رد فعل الحكومة المصرية بعد اخبار السلطات الإيطالية لهم بالأمر حيث اكتفت بالتكتم عليه والتعتيم إعلاميا، ولم يتم الاعتراف به إلا بعد انتشار الفضيحة في الصحف الغربية وتداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أمر يُجزم بوجود تواطؤ وفساد، يصل لأعلى المستويات.

مرت واقعة اكتشاف تابوت أثري في مدينة الإسكندرية، لتؤكد من جديد عراقة مصر وأصالتها وتاريخها العظيم، وجاءت حادثة فتحه لتُظهِر مجددا خزي وعار نظام انقلابي فاشل، جاثم على قلوب المصريين.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها