بوادر الانحلال الثقافي والأخلاقي

ما يعيشه المغرب من أحداث شاذة، ومظاهر وسلوكيات لا تمت بصلة للآداب والأخلاق المفروض ترسيخها في المواطن، تدخل ضمن حصاد عمل الحكومات التي تعاقبت على فرض مخططات وبرامج فاشلة، لا هي أثمرت أجيالا مواطنة ناضجة فكريا، ولا هي حافظت على ما يكتسبه المغاربة من كرامة وعفة وأخلاق عالية. أحداث وسلوكيات مهينة ومسيئة إلى سمعة ومكانة المغرب إفريقيا ودوليا تسير بالمغاربة عكس اتجاه ركب التنمية المنشودة، وتقدمهم لقم سائغة على أطباق من ذهب لخصوم الأرض والوطن.

لا أحد صدق في بداية الأمر أن مجموعة نساء بضواحي مدينة الصويرة قتلن، أثناء تدافعهن من أجل الحصول على مساعدات غذائية جلبها أحد المحسنين، ولا أحد أمكنه تخيل هذا النوع من التدافع القاتل. ولا صدق أن الجوع والفقر بالمغرب قد يؤدي بالضحايا إلى التقاتل من أجل الحصول على كيس من الدقيق، لأن الحقيقة المرة التي أفرزها الحادث، هي أن الجاني ليس بشريا، بل هو سلوكي وأخلاقي، وأنه ليس سوى ثقافة الكراهية العمياء والأساليب الهمجية التي زادت انتشارا، بعدما بات يتبادلها المغاربة بينهم علنا، وليست سوى عدوى العنف والشغب والفوضى التي أصابتهم وباتوا يتفننون في إسقاطها على كل مناحي الحياة.

لا أحد أمكنه عزل قضيتي تعنيف تلميذين لأستاذ ورزازات وأستاذة الحي المحمدي، ولا قضية الاغتصاب الجماعي لدابة بضواحي سيدي قاسم من طرف أطفال، عما يجري ويدور من انحلال ثقافي وأخلاقي وديني في صفوف معظم الأطفال واليافعين،  كما أن بعض التلاميذ المنحرفين هم أرحم على أساتذتهم ودوابهم، بالنظر إلى ما يقترفونه اتجاه آبائهم وأمهاتهم وأجدادهم وجداتهم. هؤلاء الذين يتعرضون يوميا للعنف اللفظي والجسدي وكل أنواع الاغتصاب والابتزاز من طرف أبنائهم وبناتهم، ويرغمون على الصمت، ورفع مظالمهم إلى الله، تفاديا لرؤية فلذات أكبادهم يساقون إلى السجون والإصلاحيات، بل إن بعض الأطفال يعنفون يوميا أنفسهم باستعمال شفرات الحلاقة والسكاكين والهراوات، ويختلقون المشاجرات من دون أسباب مع زملائهم وأشقائهم.

الخلاصة إذن أن عنف الصغار تجاه بعضهم وتجاه الكبار، لا يخص فئة دون أخرى، وتتمثل أسبابه الحقيقية في سوء التربية والتعليم في كنف الأسرة والمدرسة، وعفن الشارع والإعلام.  ولا داعي لتذكير التلاميذ بأن المدرس في مقام الأب أو الأم؛ لأن عدوى الانحلال الثقافي والأخلاقي، التي أصابتهم في غفلة أو جهل من أسرهم. جعلتهم لا يقيمون لأي كان مقاما ولا وزنا.

لا أحد راض على ما وصل إليه الإعلام البديل من تفاهة وتعفن، بعد أن تسلل إليه كل من هب ودب، نقل صور جثث نساء الصويرة مكشوفة، من دون احترام لأرواحهن ولا لأفراد أسرهن، وزرع العنصرية  وإشعال الفتن بالبيضاء بين الأشقاء الأفارقة من جنوب الصحراء، بعد المواجهة التي دارت بينهم وبين شبان بالبيضاء، من طرف بعض هواة المباشر على الفيسبوك لايف؛ حيث تم نقل تصريحات غير مسؤولة تكن العداء والكره والعنصرية للأجانب..   

تأخر الغيث ببلادنا، وتعطلت معه كل آليات الشرب والسقي والتنظيف الربانية، وانتصبت الشمس ضد على كل الأعراف المناخية، مخترقة الأجواء الرطبة، لتفرض علينا بأشعتها أشواطا إضافية من الحر والجفاف، وتنفث بأشعتها الحارقة الأمراض والأوبئة والغلاء.

غضب السماء يضاف إلى عدوى فساد الأرض، ليعيش المغاربة بين المطرقة والسندان، إلى حين أن يستفيق حكماء البلاد وفقهائها من سباتهم، ويجندون كل طاقاتهم من أجل محاربة العدوى وتخليق الحياة والدين، وأن يكفوا عن تسويق الكراهية والعنصرية وتلويث العقول البشرية بمواضيع تافهة أو هامشية، كالحديث عن زواج وطلاق الشيخ الفيزازي والاتهامات المتبادلة مع طليقته، والتي وجدت من يسوقها إعلاميا، وكأن السلطة الرابعة أنهت وظيفتها، لتتفرغ لنزوات الشيخ التي لا تنتهي.   

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها