بعد ضياع الأموال.. هل تضيع الأصول؟ بنك الاستثمار المصري نموذجا

كارثة اقتصادية جديدة، تحدث في مصر وفي صمت، تهدر فيها مئات المليارات من الجنيهات داخل “ثقب أسود”.

كانت البداية مع إنشاء بنك الاستثمار القومي في مصر عام 1980 بغرض تمويل المشروعات المدرجة بالخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة.

وتتكون موارد البنك مما يخصص له من اعتمادات فى الموازنة العامة للدولة، والإيرادات الناتجة عن مباشرة البنك لنشاطه، وحصيلة بيع الأسهم التى يملكها البنك فى المشروعات التى يشارك فيها، والوصايا والمنح المحلية والأجنبية والقروض وحصيلة السندات التى يطرحها البنك بالعملة المحلية والأجنبية.

ويسهم البنك في نحو 13 شركة وهيئة خاصة، وتم نقل تبعيته عام 2012 إلى وزارة التخطيط بعد 10 سنوات من التبعية لوزارة المالية.

ومع غياب الرقابة والشفافية فيما يخص أعمال البنك، إذ لا تعرض ميزانيته على البرلمان، ولا يخضع لرقابة البنك المركزى، وليست له جمعية عمومية، وليس عضوًا فى اتحاد البنوك، وإنما يدار عن طريق مجلس إدارة يقوم بتعيينه رئيس الحكومة، والجهة التي لها حق متابعة ومراجعة أعماله هى الجهاز المركزى للمحاسبات.

تراكمت ديون الهيئات العامة لبنك الاستثمار حتى زادت على 250 مليار جنيه، ففي يناير/كانون ثاني 2014 كشف ممتاز السعيد عضو مجلس إدارة البنك عن تخطي المديونيات المستحقة على الجهات الحكومية والهيئات الاقتصادية لبنك الاستثمار حاجز الـ 250 مليار جنيه (نحو 15 مليار دولار)حتي نهاية ديسمبر/ كانون أول 2013، بينما بلغت الديون المستحقة على البنك لصناديق التأمين والمعاشات الحكومية والقطاعين العام والخاص 241.4 مليار جنيه، في الوقت الذي تعاني فيه الهيئات المديونة للبنك سواء وزارات وشركات حكومية من أزمات مالية وخسائر بشكل تعجز فيه عن سداد ديونها أو الوفاء بمستحقات البنك.

التسويات العينية كانت الحل الأقرب لبنك الاستثمار القومي لتسوية مديونياته، إذ قام البنك بتسوية مديونياته لدى ماسبيرو بقيمة 7 مليارات جنيه، والسكك الحديدية بقيمة 10 مليارات جنيه، وذلك مقابل حصول البنك على أصول من الجهتين، بينما كشف أسامة هيكل رئيس لجنة الثقافة والإعلام بالبرلمان، أن بنك الاستثمار القومي استحوذ على جميع أسهم اتحاد الإذاعة والتليفزيون رهن الديون المتلاحقة عليه، مؤكدا أن البنك يحصل على كل أرباح النايل سات رهن الوفاء بالدين.

وتبلغ أصول اتحاد الإذاعة والتليفزيون نحو 32 مليار جنيه 90% منها أراضٍ والباقي مبانٍ موزعة فى جميع أنحاء الجمهورية، غالبية تلك الأراضى كانت مخصصة للإذاعات المحلية والساحلية لعمل محطات إرسال، ولم يتم استغلالها.

وقد كشفت هالة السعيد، وزيرة التخطيط، رئيس مجلس إدارة بنك الاستثمار القومى، أن البنك أبرم تسويات لنحو 50% من قروضه المتأخرة لدى الجهات الحكومية. وأضافت أن البنك حصل على قطع أراضٍ من اتحاد اﻹذاعة والتليفزيون غير مستغلة فى مناطق مختلفة، وقدرت الهيئة الوطنية للإعلام إحدى هذه القطع بنحو 8 مليارات جنيه، لكن البنك سيتحقق من هذه القيمة أولاً. وأشارت إلى أن حجم المبالغ المستحقة على هيئة المجتمعات العمرانية بعد اﻻتفاق على التسوية بلغ 30 مليار جنيه سيتم تسوية جزء منها نقدا على مدى 4 سنوات، وآخر عبر أراضٍ تمنح للبنك تزيد قيمتها على ملياري جنيه، كما تم اﻻتفاق على تسوية مديونية الكهرباء على مدار 8 سنوات.

وذكرت هالة السعيد، أن البنك سيبحث عملية استغلال لهذه اﻷراضي عبر شراكات أو بيعها، وفقاً للاحتياجات.

كان خالد بدوى وزير قطاع الأعمال العام،  قد التقى مطلع الشهر الجاري محمود منتصر نائب رئيس مجلس إدارة بنك الاستثمار القومى، بحضور رئيس الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج والملابس، وذلك فى إطار تفعيل جهود التوصل إلى تسوية شاملة للديون المستحقة للبنك على الشركات التابعة للوزارة وعلى رأسها الشركة القابضة للغزل والنسيج والتى تتجاوز قيمتها، وفقًا للبنك، 10 مليارات جنيه نتيجة تراكم الفوائد. وأكد بدوى ضرورة الإسراع فى اتخاذ الخطوات اللازمة لتسوية هذه المديونية، من خلال تنازل الشركة القابضة عن بعض الأصول العقارية لصالح البنك.

وفي تصريحات صحفية سابقة، اعتبر محمود عبدالعزيز، رئيس البنك الأهلى الأسبق، أن بنك الاستثمار القومي “ثقب أسود فى جلباب الشفافية وحصالة خفية للمشروعات الفاشلة.

وأوضح أن بنك “الاستثمار القومى” ليس بنكًا وإنما هو صندوق ودائع لأموال التأمينات والمعاشات كان تابعًا لوزارة التخطيط عند إنشائه، وعندما انتقلت ودائع التأمينات والمعاشات إلى وزارة المالية انتقل بالتبعية لإشراف وزارة المالية، ودور البنك ليس مفهومًا بعد انتقال أموال التأمينات والمعاشات إلى الخزانة العامة للدولة، وهو بشكله الحالى يعتبر “ورمًا خبيثًا فى جسد الاقتصاد المصرى، وثقبا أسود فى جلباب الشفافية. وضرب عبدالعزيز مثالا بمشروع توشكي، مشيرًا إلى أن البنك قام بتمويل المشروع رغم فشله، والسبب يعود إلى رغبة الحكومة ألا يكون عليها رقيب فى السؤال عن أوجه نفقات المشروع.

فهل تعني هذه التسويات ضياع الأموال داخل هذا “الثقب الأسود”؟ وهل تضيع أصول الهيئات العامة بهذه التسويات؟، ومن المسؤول والمحاسَب عن إهدار مئات المليارات من المال العام؟

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها