امتحاننا الصعب أمام شهداء معركة شناق قلعة

إن معركة شناق قلعة تعتبر اليوم، وبعد مرور 103 أعوام، نقطة فاصلة في التاريخ الإسلامي، تقض مضاجع القومجيين الذين عملوا على مختلف ألوانهم وأشكالهم على إسقاط آخر خلافة إسلامية.

أيها الجندي الراقد على التراب لأجل التراب، لو نزل الأجداد من السماء لتقبيل جبينك المضيء لكنت تستحق ذلك بجدارة، كم أنت عظيم.. دمك الذي يتكلم وينقذ التوحيد

أيها الشهيد ابن الشهيد

لا تطلب مني قبرا، فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ها هو ينتظرك بذراعيه الشريفتين. 

بهذه الأبيات المؤثرة وصف شاعر الاستقلال محمد عاكف آرسوي رحمه الله تعالى المعركة العظيمة التي حمت صوت الأذان في إسطنبول، وحمت القرآن في مدن الخلافة وحمت الأمة التي قاتلت يومها بإيمانها لا بقومياتها المقيتة. 

إنها معركة تشاناكاليه أو جاليبولي أو شناق قلعة، التي توحد فيها -كما كانوا أصلا على مدى مئات من السنين الماضية- الأتراك والعرب والأكراد وغيرهم تحت راية واحدة ضد قوات الحلفاء من الإنجليز والفرنسيين والأستراليين والنيوزيلانديين، واستطاعوا أن يعيدوا إلى الأمة أمجاد بدر وحطين. 

اليوم تحتفل تركيا -وياريت احتفلت كل الأمة معها- بالذكرى الـ 103 لهذه المعركة التي انتصرت فيها قوات الخلافة الإسلامية العثمانية على قوات الحلفاء في مضيق الدردنيل أو جاليبولي. 

في مثل هذا اليوم قبل 103 عاما تقدم أسطول الحلفاء المكون من 16 سفينة، عقب أسبوعين من القصف العنيف على مواقع جيش الخلافة، إلا أن الخطة العثمانية بتلغيم مياه المضيق كانت صائبة وناجحة في إلحاق هزيمة نكراء بالسفن الحربية المتقدمة. 

كلفت هذه المعركة الخلافة الإسلامية العثمانية نحو 250 ألفا بين شهيد وجريح ومفقود، وأزيد بقليل عن هذا الرقم من جهة قوات الحلفاء. 

إن معركة شناق قلعة تعتبر اليوم وبعد مرور 103 نقطة فاصلة في التاريخ الإسلامي، تقض مضاجع القومجيين الذين عملوا على مختلف ألوانهم وأشكالهم على إسقاط آخر خلافة إسلامية خدمة لمشاريعهم التدميرية التي لم تجلب لأمتنا ومنطقتنا منذ 100 عام إلا الحروب والدمار والخراب والفتن والتقاتل والتخلف. 

في هذه المعركة الخالدة توحدت دمشق وحلب وبيروت وطرابلس وبغداد والقاهرة والقدس ورام الله ونابلس والإسكندرية وكربلاء وفارنا وبنغازي وسراييفو وغيرها من المدن الإسلامية العظيمة، إلا أن هذا المشهد لم يعجب القومجيين أصحاب الدماء النجسة فكانت مؤامراتهم مع أسيادهم من خلف البحار، إلا أننا سنبقى اليوم وبعد 103 نذكر بطولاتنا التي تحققت يوم أن اتحدنا علنا نتعلم من من دروس هزائمنا التي منينا بها يوم أن تفرقنا. 

سنبقى نذكر هذه المعركة علنا نغلق الأبواب المشرعة أمام القومجيين الذين يدخلون منها لزرع الفرقة والمناكفات والعصبيات والفتن بين أبناء هذه الأمة. 

فلنكن أتراكا وعربا وأكرادا على قدر دماء شهدائنا الذين ارتقوا قبل 103 أعوام في معركة شناق قلعة من أجل وحدة ونصر الأمة، وإلا فماذا سنقول لهم إن عادوا ورأوا حالنا اليوم ونحن نعيش ما نعيشه فرقة وتشرذم وخصومات وتكفير ولعن وسباب وشتائم وتخوين؟! 

ماذا سنقول لشهدائنا الذين سافروا قبل 103 أعوام آلاف الكيلومترات من دمشق وحلب وبيروت وطرابلس وبغداد والقاهرة والقدس ورام الله ونابلس والإسكندرية وكربلاء وفارنا وبنغازي وسراييفو وغيرها إلى مضيق منطقة شناق قلعة، وتكبدوا ما تكبدوه من آلام وصعاب وفراق للأحباب قبل أن يقدموا أرواحهم فداء لهذه الأمة؟! 

ماذا سنقول لشهدائنا ونحن نقرأ كل يوم ـ دون أن نحرك ساكنا ـ كلمات التخوين والتكفير والتفسيق التي تتجرأ على آخر وأطول خلافة إسلامية؟! 

ماذا سنقول لشهدائنا وقد أصبح الإسلام الذي استشهدوا لأجله، آخر حساباتنا وآخر اهتماماتنا وأمرا هامشيا نكاد نهتم لا بلبه بل بقشوره؟! 

ماذا سنقول لشهدائنا وكل منا ينادي بقوميته ويذم الآخر؟! وكل منا يعلي عرقه ويدوس الآخر؟! تمام وفقا لأوامر من هزمناهم في معركة شناق قلعة! 

ماذا سنقول لشهدائنا ودولنا تدفع المليارات لأعدائنا؟! وأخرى تدفع المليارات لتمزيقنا أكثر مما نحن عليه من تمزيق! ومجموعة أخرى لا تجيد إلا حياكة المكائد للمسلمين والمسلمات! 

ماذا سنقول لشهدائنا وقد بيعت القدس أمام أعيننا بعد أن دافع عن مستقبلها الأبطال في جناق قلعة؟! 

عندما نقف اليوم أمام أضرحة شهدائنا في منطقة شناق قلعة، تلك الأضرحة التي تفوح منها رائحة البطولات والانتصارات والإيمان، المتزينة بأسماء العظماء ومناطقهم العريقة… عندما نقف هناك ماذا سنقول؟! 

كيف سندافع عن أنفسنا أمام هؤلاء العظماء؟! ما هي المبررات التي سنقدمها لهم بعد أن أضعنا ما دفعوا ثمنه دماؤهم وأرواحهم؟! 

الـ”ماذا” تطول وتطول وتكثر، وتبقى الأجوبة تنتظر على الأبواب بانتظار أن يفتح لها الصادقون، علنا نعيش مجددا مجدا كمجد شناق قلعة. 

من سيفقد لسانه في الإجابة على هذه الأسئلة لن يستطيع اليوم أن ينصر الأمة ولن يستطيع أن يدافع عن أبناء الأمة لا في سوريا ولا في العراق ولا في مصر ولا ليبيا ولا في ميانمار ولا في أي مكان. 

كل منا سيلقي اللوم على أخيه الآخر متناسين قوله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ”.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها