الوطنية وطبول التأهل للمونديال

محمد صلاح قاد مصر للفوز على الكونغو والتأهل للمونديال بعد 28 عامًا
نجم الكرة المصرية محمد صلاح

أبدأ كلماتي بتقديم التهنئة لكل من أسعده فوز المنتخب المصري وتأهله لنهائيات كأس العالم القادمة ورغم أنني لم أتابع المباراة ولم أعلم نتيجتها إلا متأخراً، إلا أنني أقدّم التهنئة لأصحاب هذا الفرْح.

لا تثريب على العامة وجماهير الكرة أن يفرحوا لنتيجة طال انتظارهم لها، لا أرى بأساً في هذا فهكذا حال كل شعوب الأرض، وليس ثمة ملاحظة كذلك أن يشاركهم حشود من المثقفين والمهتمين بالشأن العام وحتى من أصحاب الهموم الكبيرة.

علينا أن نُقَّدر حاجة هؤلاء وأولئك لفرحة – أي فرحة – تعالج تعاسة الحال وكآبة الواقع وشظف العيش.

بعض هؤلاء يجد في مثل هذا متنفساً للهروب من واقعهم البئيس وكسراً لديمومة الهزائم والانكسارات، وتحرراً مؤقتاً من متلازمة النكد والحَزَن الدائم الكئيب.

ليس مطلوباً من هؤلاء أن يتوبوا عن خطئهم أو أن يقتلوا أنفسهم حتى يعيشوا مع غيرهم معنى الوطنية الذي نريده ونتمناه.

على الجانب الآخر لا عجب ولا عتب على جماهير أخرى عريضة عزفت عن ذلك كله استصغاراً لشأن كرة القدم عموماً، أو تقليلاً منها مقارنة بما يعيشه الوطن من كروب وكدمات، وما يعانيه قادته ورموزه وملايين من مواطنيه.

عزوف البعض عن المشاركة في الفرح ربما يكون تقديراً لأنات كثيرة تحيط بنا وبأهل البلاء من بيننا، ممن تبكي فقيداً لها غيبته الأحداث أو تشتاق لحبيب حال دونهما السجن والاعتقال أو المطاردة والترصد، أو حتى أولئك الذين غيبتهم السجون والمعتقلات عن حضور الحدث والمشاركة فيه.

آخرون عزفوا عن مولد البهجة من غير إرادة أو فلسفة، صرفتهم معاناة سكرات الفقر والعوز وشدة الحاجة أو شغلهم فَقْد الأمان أو تردي العافية، أسباب متنوعة كثيرة قد تكون أحكمت على هؤلاء جُدر الزهد في المشاركة وأفقدتهم الرغبة في المشاركة والتلهي، وربما ألبست البعض أثواباً إضافية من الرفض والإنكار.

من دون ذلك قطاع كبير من الممتنعين عن ركوب موجة “الزفة”، أولئك المترقبون لمزايدات ومتاجرة بالحدث وانفجار ماسورة النفاق وتزوير الواقع.

لهؤلاء الغاضبين كل الحق؛ خاصةَ وهم يرون نار الظلم والبغي تحيق بالوطن وساكنيه، وللمفارقة التي تُذَكِّر كل مشغول وتلطم كل مُغيب؛ أن يسبق المباراة بين مصر والكونغو حكم بتحويل تحويل أوراق ١٣ مصرياً إلي المفتي ظلما وعدوانا كل تهمتهم أنهم يغارون على كامل استحقاقات الوطن، في الوقت الذي لا يعرف كثير غيرهم إلا وطنية المدرجات وحماسة الركض بالكرة.

صنف آخر من غير المرحبين بالفوز والمهللين له يتخوف من إسراف يستتبعه ملايين قد تُهدر في استعدادات وسفرات وسرقات، في الوقت الذي يتضور المصريون جوعاً، وقد يكون من هذا الصنف من لا يجد حد الكفاف في قوتهم أو تعليمهم أو علاجهم.

طبيعي ألا نحرم الفرحين بالتأهل من فرحتهم ولا نتخذها انتقاصاً من وطنيتهم وغيرتهم، وفي نفس الوقت يلزمنا كل التقدير والاحترام والإكبار لأولئك الذي يخرجون باستحقاقات الوطنية من معانيها الضيقة التافهة إلى رحابة الحرية وربوة الكرامة وهناءة العيش الآمن الكريم.

وفي النهاية أعتقد أن ثوابت ونقاط رئيسة يجب أن تشغلنا ونتوقف عندها ونثبتها في هذا الظرف منها:

– أن الوطنية حين يبتذلها الطغاة والأفاكون والفسدة وحملة المباخر فإنهم يسعون من خلال ذلك إلى تدجين الوعي والاستمرار في السطو على مقدرات الوطن ونهب حاضره وتدمير مستقبله.

– هؤلاء يختزلون الوطن في نشيد وعلم، فمن ردد النشيد أو حمل العلم فقد أدى ما عليه وعُد في دنيا الصعاليك من الوطنيين الأقحاح، وتعدى الأمر إلى ما هو أبعد حتى تضاءلت القيمة الكبرى للوطنية فيكفيها هتاف ساعة أو متابعة مباراة أو النشوة بصعود منصة تتويج رياضية.

– لنعلم ونُعلن ونُكرر أن المنتخب الذي حقق الفوز هو منتخب مصر وليس منتخب السيسي، وأن مصر التي نحبها ونعشقها جميعاً أكبر من عارض الإنقلاب وجنرالات العسكر وإعلامه وشلة منافقيه

– ألَّا نجعل من المباراة ونتيجتها منصة جديدة لشق صف الوطن وسكين حادة من التعصب والمزايدة والتخوين تزيد من تقطيع أوصاله وتغرس مزيداً من بذور الحساسية بين الناس فتهتك وحدة الشعب وتفتك بلُحمة الوطن.

وأخيراً كل التقدير لمن فرح بالفوز وكل التقدير لمن استعلى على الجراح وقدم التهنئة وتعالوا جميعاً إلى كلمة سواء نعلي من خلالها قيمة الوطن.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها