المهاجر المغربي في إيطاليا

مهاجرون أفارقة أنقذتهم البحرية الليبية
مهاجرون أفارقة أنقذتهم البحرية الليبية

عملت هجرة المغاربة إلى إيطاليا على تغيير التوازنات العامة الإيطالية، بتغيير المجتمع، حيث إنها حطمت توازنات قديمة وبنت أخرى جديدة.

بما تحيل عليه عمليات الهدم والبناء من إحلال قيم وممارسات جديدة التي لا تقف عند حدود  التقسيمات الإدارية أو الحركيات الجغرافية وطبيعة القيم وكلها تمتد إلى المجالات الثقافية والسلوكات الدينية والتصورات الجماعية والفردية (2).

حيث إن النمو الديمغرافي وحضور لثقافة مغايرة أديا إلى تغيير في البنية الاقتصادية والسوسيولوجية والثقافية والسياسية الإيطالية، وخلق سؤال الاندماج، ليس فقط لدى الإيطاليين بل وحتى لدى المغاربة الجيل الأول منهم،  والثاني:  الذين وجدوا أنفسهم في وطنهم لكنهم أغراب عنه، وطن ولدوا وتربوا في ربوعه واستهلكوا ثقافته وتقمصوا تقاليده إلا أنهم مجرد ضيوف فيه، مما خلق لديهم ازدواجية الاغتراب، فهم غرباء في المغرب لوجود مسافة بين ثقافتهم والبنية السوسيو سياسية فيه وغرباء في إيطاليا، الوطن الذي احتضن طفولتهم وشبابهم وكون مخيالهم الفردي وبصم أعرافهم وثقافتهم، إلا أن حضورهم عرضي فيه.

فهم مجرد ضيوف الهامش، مجرد أرقام زائدة عليها أن تندمج مع الثقافة المستقبلة أو تنصهر فيها، إلا أن الاندماج له شروط موضوعية لتحقيقه منها ماهو سياسي، ويتعلق الأمر بالسياسات المنتهجة الخاصة بالمهاجرين، ومنها ماهو اجتماعي ويتعلق الأمر بالعلاقات الاجتماعية المنتجة وسوق الشغل، الذي يعتبر السبب الرئيسي لوجود المهاجر المغربي في هذه الديار، والشرط الأخير والأهم هو الإعلام، فتاريخ الصحافة هو تاريخ البحث عن الحقيقة، فقد ارتبط دورها الريادي بالبحث عن الحقيقة وايدائها، واعتبرت بذلك السلطة الرابعة، لما تمثله من تأثير على المخيال الجماعي من خلال الصورة التي تقدمها والمواضيع التي تركز عليها في تناولها للظواهر الاجتماعية، فقد تعطي الشرعية لسلوكات مرفوضة قانونية وتجرم أخرى شرعية، كما أنها لها قوة في سن قوانين وإسقاط أخرى.

وللحديث عن اندماج المهاجر المغربي في إيطاليا من زاوية نظر القوانين المكونة لسياسة المهاجرين والتي لعبت فيها الصحافة الدور اليسير نقف عند أبرزها وهي: قانون فوسكي الذي يعتبر أول قانون خاص بالمهاجرين في إيطاليا، وجاء في إطار تطبيق الاتفاقية الدولية الخاصة بالتنظيم الدولي لعمل المهاجرين رقم 143 لسنة 1975 التي وقعتها الحكومة الإيطالية في 10 أبريل/نيسان 1981 وينص على مبدأ المساواة بين الإيطاليين ونظيرهم العمال المهاجرين في الحقوق.

وقانون مارتيللي 40 لسنة 1990 الذي جاء في علاقة بالاتفاقية الدولية شينكن، وركز في بنوده على أربعة مراسيم قانونية هي: الدخول والإقامة والعمل ثم السكن والخدمات، . ثم قانون تورك-نابوليتانو 40 لسنة 1990 يعتبر القانون الذي أعطى امتيازات أكثر للمهاجرين. فقانون بوسي فيني 189 لسنة 2002،أكثر انغلاقا بربطه الإقامة والحقوق الاجتماعية بعقد العمل، وتشجيع العمال الموسميين، وتقليص حقوق المهاجرين التي اعتبرت بالحقوق . فالمهاجر في حالة انتهاء مدة عقد العمل لا يمكنه تجديد الإقامة إلا بوجود عقد جديد، وإن لم يكن بدا لذلك تعطى له الإقامة لمدة ستة أشهر عليه إيجاد عمل خلالها وإلا يسقط في “اللانظامية” ليصير “مهاجرا سريا”، وبذلك فإن هذا القانون، قد أنتج المهاجر السري، الذي عمل على تجريمه، ليواكبه قانون  علبة الأمان الأكثر انغلاقا والأقل استحقاقا لحقوق المهاجرين.

الاندماج مفهوم معقد، وعصي على التحديد لاعتباره ينتمي إلى اللغة السوسيولوجية والسياسية على حد سواء، يقترن بالممارسة السياسية وبالنقاشات المجتمعية التي تثار على قضية الهجرة، ومعناه الترابط والتبعية البينية بين عناصر المجتمع، ويقوم هذا الترابط على التلاؤم بين مكونات النسق مع بعضها البعض، وتلعب سياسة الاندماج دورا أساسيا في تمثيل ركائزه وتثبيتها بما أنها سياسة مبنية على الديمقراطية والاعتراف بالآخر،وتثبيت الحق في الاختلاف التي بها يمكن بلورة حلول ديمقراطية تفظي إلى الاندماج الديمقراطي وذلك من خلال الجمع بين الدفاع عن الهوية والحق في الاختلاف، فاندماج المهاجر المغربي لا يتحقق بمجرد انصهاره ضمن بوتقة  مجتمع مستقر، بل باحترام هويته الثقافية، والاعتراف باختلافه واعتبار اختلافه قيمة مضافة للمجتمع لا تهديدا له (3)، وغيابه قد يكون السبب الرئيسي الذي يجعل الأفراد يبحثون عن مكامن الأمن والأمان خارج إطارات المجتمع، الذي يرفضهم ويبعدهم، ليكونوا لقمة سائغة في مخالب الضياع والجريمة والعنف والارهاب وغيرها.

———————————————————————

[1]  العطري عبد الرحيم، تحولات المغرب القروي اسئلة التنمية المؤجلة، دار دفاتر الحرف والسؤال، سلا، الرباط، 2009، ص. 128.

[2]  نفس المرجع السابق، ص. 123

[3] http://www.mominoun.com/auteur/237

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها