المصارع

« المصارع » هو العمل الرابع للروائي الصديق رباج، الذي يقطن بمراكش حيث يُدَرس بالسلك الثانوي التأهيلي، وله عمل خامس قيد النشر بدار نشر فرنسية.

هي رواية تاريخية على جانب كبير من التخييل، مليئة بالتشويق والإثارة، وقد آثر الكاتب أن يتناول فيها موضوع العبودية والاستغلال العنصري من وجهة نظر أدبية بحتة، لأن الأدب، على عكس الكتابة التاريخية، حسب تقديره، يصل إلى جمهور أوسع من القراء وبالتالي يسهل التحسيس وتعبئة أكبر عدد ممكن من الناس بخطورة وضع مُكون من مكونات البلد، أي السود. هذا الموضوع يكاد يغيب كليا في الأدب المغربي، كما أشارت إلى ذلك الصحيفة الفرنسية « ليمانيتي ». بطل الرواية، كما يدل على ذلك الاسم الذي اختاره له الكاتب – يحيى-، هو أحد الناجين من المذبحة التي تعرضت لها قبيلته « رايتسوت » وهو لم يبلغ بعد ربيعه الرابع عشر. حولَ يحيى بمعية أبيه نبارش الصحراء القاحلة حيث يعيش إلى جنة خضراء، لكنهم يعيشون في قلق دائم؛ ففي تلك الفترة المضطربة كانت الغلبة للأقوى : « منذ ثلاثة أيام، لم يغمض لنبارش جفن. نهارا، يصعد السطح لمراقبة الأفق خوفا من أي طارئ، وليلا يلتحق بالحراس. جميع سكان الدوار يدركون مدى الخطر الذي يحدق بهم.»  كما كان متوقعا، أغارت قبيلة « تيردين » وهي قبيلة من المحاربين القادمين من الجبال المجاورة على دوار رايتسوت مستغلة ضعف السلطات المركزية.

أورد الكاتب قصة مجيء قبيلة رايتسوت لأول مرة إلى المغرب سنة  1592، إثر غزو السلطان المنصور الذهبي للسودان الغربي. كان الاسبان والبرتغال ينتظرون في ذلك الوقت الفرصة السانحة للانقضاض على البلاد. لتقوية  دولته، اتجه المنصور إلى امبراطورية سونغاي، فبسط نفوذه عليها، وغنم الذهب والعبيد. أجداد نبارش كانوا ضمن  الأسرى. استقروا بالصحراء، حفروا الآبار و زرعوا الأرض، ليُكونوا بعد ذلك بحوالي قرن نواة جيش البخاري، الحرس الخاص بالسلطان اسماعيل.

في خضم المعارك والكر والفر، يفِد على القبيلة شيخ يلبس أسمالا. في بداية الأمر، حسِب أفراد القبيلة أنها مكيدة من طرف « القردة »، لكن تبين لهم بعد ذلك أن الضيف جاء وحيدا. بدأ نبارش بفحص عظام الشيخ المغمى عليه، فهو ينتمي إلى عائلة من المختصين في جبر العظام. رأى أنه بإمكانه بسهولة أن يضع يديه على موضع الكسر والأماكن المكدومة. بعد أن اطمأن على سلامة العظام، ترك الفرصة لكبيري، طبيب الدوار ليقوم بعمله. بعد أن تماثل الشيخ- اسمه عطوش-  للشفاء شرع يحكي قصته وتبين أنه من قبيلة الأعداء لكنه ضد معاداة السود حسب  قوله. وهنا  تنطلق مرحلة جديدة في الرواية وهي مرحلة الهدنة بين الفريقين، يستغلها الراوي ليحكي يوميات الوافد الجديد مع مضيفيه الأصدقاء الأعداء: « جولات عطوش تتكرر. فقد أصبح واحدا من القبيلة. لا أحد يراقبه… يرجع في المساء منهكا، لا يرغب في غير الخلود للراحة. يجد نبارش في انتظاره لتناول العشاء، الذي هو عبارة عن طجين  وقدح من اللبن. عطوش يكتفي بوجبة واحدة طول النهار.

يروي أن أفراد قبيلته يتناولون وجبتين إلى سن الأربعين، ويتم الاكتفاء بعدها بوجبة واحدة. وهو ما يفسر خفتهم و قوة أبدانهم. لكن المراقبة واليقظة لا تزالان على أشدهما: « مساءً، تتكون مجموعتان. الأولى تسمى “الجذوع ” وتقضي الليل كله ملتصقة بالأشجار، والثانية ” الموتى ” وتبيت بالحُفر دون حراك مستعدة للظهور في الوقت المناسب.» لكن وقع ما لم يكن في الحسبان، حيث أصيب مجموعة من الأهالي بمرض غريب أتى على عدد كبير منهم. سيكتشف نبارش أن المرض سببه سم وضع في مياه الآبار المتواجدة بالخارج وأن وراء حالات التسمم الشيخ، إلا أن هذا الأخير تمكن من الفرار وترك وراءه رايتسوت يتساقطون واحدا بعد الآخر واستطاع بهذه الحيلة أن يكفى قبيلته أمر القتال. وهكذا أرغِم رايتسوت على الهجرة تاركين أرضهم للعدو: « عندما رجع نبارش إلى داره، كان ينتظره الأسوأ. جمع ما استطاع من متاع وأمر أسرته بالاستعداد للرحيل نحو المجهول. وضع ما لديه من مال في جيوب زوجته وأولاده. ربط حماره بالحقل في الاتجاه المعاكس للجهة التي يمكن أن يدخل منها القردة.» هاجم تنيردين للمرة الثانية وسقط نبارش هو وآخرون في المعركة وتم أسر البقية بينما فرت أسرة نبارش الصغيرة.  بعد فترة ستستقبلهم قبيلة عربية وسيوضع يحيى في خدمة رجل دين من الأعيان ويصبح من أقرب مقربيه، بفضل موهبته وصلابة عوده، ويبدأ يتذوق حلاوة الحياة في عالم يعيش أهله في ظاهر الأمر في ألفة وتناغم.

ينظم في دوار هذه القبيلة موسم سنوي تشارك فيه فصائل من دواوير أخرى، وهي مناسبة لإقامة مسابقات في فن الفنتازيا والمصارعة. وقع الاختيار على يحيى ليمثل الدوار بمعية مصارع آخر يلقب بجذع الشجرة : « يحيى يبلغ من العمر ستة عشر عاما، ومع ذلك تم اختياره نظرا لقدراته الخاصة. أما “جذع الشجرة ” فقد تبوأ هذه المكانة منذ سنوات ولا أحد يغلبه في المصارعة. قبل سنتين ربح السباق دون دخوله فلم يكن أحد يجرؤ على ملاقاته.» فاز إذن يحيى بسباق المصارعة – المجال الوحيد الذي تفوقت فيه القبيلة – وأصبح الحارس الشخصي للشيخ، يلازمه حيث حل وارتحل، من تابع، أصبح بطلا لا يشق له غبار، وبات يحظى باحترام الكل: « لم تعد أسرة يحيى تعيش بالمنزل الخاص بالخدم. منحهم الشيخ منزلا غربَ الضريح وهو واحد من المنازل المخصصة لعلية القوم.» 

كانت رياضة المصارعة تعرف بالمغرب في القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين باسم المشاوشة، يمارسها  أصحاب المهن والحرف بعد صلاة الجمعة. جدير بالذكر أن محمد بن سودة  أخرج فلما عن هذه الرياضة اسمه « موسم المشاوشة » وقد حقق نجاحا كبيرا.

وجد يحيى في شيخه رجلا ذا حكمة ومعرفة بطُرق الكلام. ما يحكيه يسافر به في عوالم بعيدة ويعطيه أملا في الحياة؛ لكن، مع مرور الوقت، سيكتشف أن رجل الدين يختبئ وراء ستار التقوى للاحتيال على الضعفاء  وتقوية نفوذه.

الرواية عموما تنبه لظاهرة العنصرية المبنية على أساس العرق، وكذا استغلال الدين لأغراض دنيوية.  

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها