العد العكسي

العمر في النهاية هو ما نقرر أن نضيفه إلى تاريخنا. العمر حرية الاختيار، والعيش، والحب، والاعتصام، والاعتراض.

في بلاد البؤس يصبح الإنسان له مدة صلاحية إذا ما تجاوزها يصير غير صالح للاستهلاك تماما مثلما هو الأمر مع المعلبات وما جاورها.

يختصرون الإنسان في تاريخ معين إذا ما تجاوزه يتوجب عليه أن يبحث عن ركن قصي بالرف ويرتكن إليه بوقاحة لبقة.

العمر كما لم يفهموه لا يحتاج منهم مساطير ومعايير ومدة صلاحية. كم منا بلغ الشيخوخة من فرط الأمل في مقتبل عمره؟ وكم منا يتلذذ بشيخوخته وهو مايزال ينتظر أحلامه الوردية؟

إن العمر لا يقاس بالسنين التي تضاف إليه كما الأسفار وراء الفاصلة؛ فالعمر يحسب بكم من القهقهات التي أصدرناها، وبلحظات الصدق التي عشناها، وبالحب الذي انتشلنا من بؤرة الوحدة وأدخلنا إلى بؤرة الزلزال، وبالدموع التي تبعته، والانكسارات التي أعاقتنا، وكم من عصا اتكئنا عليها لنكمل الطريق أقوياء أو معاقين أو مشردين لا يهم..

العمر في النهاية هو ما نقرر أن نضيفه إلى تاريخنا، لا يهم كيف هو هذا التاريخ، الأهم أن نضيفه باستقلالية عن هذا الآخر الذي يختصرنا بسنوات تضاف بتفاهة للعمر. العمر حرية الاختيار، والعيش، والحب، والاعتصام، والاعتراض..

العمر لنا، وليس لهم، لا يبث لهم بصلة.

أخبرني محدثي أن علينا- نحن النساء- كما ترانا الثقافة العربية البئيسة أن نصطاد عريسا قبل أن تنتهي مدة صلاحيتنا، في مبدأ الغاب: العريس صيد، والمرأة فريسة، والحب طعم، والأهم لمن تكون السيادة. ثم نعيش لنتوالد بمعزل عن السمات الإنسانية؛ ذلك أن لدينا مدة صلاحية.

أخبركم أننا-نحن النساء- كما لا ترانا ثقافتكم البئيسة، من أمضينا العمر في التحصيل والدراسة حتى أوشكنا الثلاثين، وتحررنا من التهم التي تخص تاء التأنيت، ودم الأنوثة.. لن نصطاد عريسا من أجل التناسل؛ لأن تجربة الدراسة والعمل والاستقلالية، وتحمل المسؤولية، وكفاح طويل من أجل أحلام تراها الثقافة البئيسة تافهة، ونراها نحن أسطورتنا الشخصية. نحن رضعنا في حليب تربية آبائنا الحرية المقننة، الاستقلالية، الثقة، وقبله التكامل.

لن يخبرونا في لبنات التربية أننا لن نتخطى سقف الصيد والفريسة، أخبرونا أن الزواج مودة، وأن الحب الحقيقي رقي، وأن الاحترام عملة نادرة، وقبله علمونا أن الكرامة سلاح من يريد أن يحيا مرفوع الرأس إلى الأبد.

نحن غير خارجات عن الطبيعة، أبدا، نحن فقط نريد العيش في جلباب التكامل، لا أن نكون تكملة لمقتنيات منزلك سيدي الرجل. لن نريدك أن تضع قائمة بما يخص راتبنا، ورتبتنا ومكانتنا الاجتماعية، وإلا أصبحنا آليات تحركها المادة.

نحن يا عزيزي لا نريد عيشة الصيد والغاب، ولا نريد عيشة آلية، نحن فقط نحتاج أن يضع كلا منا رأسه على مخدة الحب دون أن يشك أن تحتها يختبئ سكين الغدر.

سيدي الرجل، ليس لدينا مدة الصلاحية، نحن الصلاحية ونحن الحياة، وإذا ما تعذر علينا إيجاد هذا الفارس على جواد النبل، فلتنتهِ بعينيك الصلاحية. العد العكسي لا يخصنا، وثقافتكم البئيسة لا تعنينا.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها