السّديس وهيبة الدّولة

إمام وخطيب المسجد الحرام عبد الرحمن السديس

هل أنّ هيبة الدّولة ستذود عنّي إذا ما قرّرت الطّائرات السّعودية والإماراتيّة أن تدكّ منزلي دكّا وتشنّ على وطني حربا ضروسا تنتشر على إثرها الأمراض والأوبئة؟

من على منبر الحرم المكّي، اختار من اقترن اسمه في سائر بلاد المسلمين بتلاوة القرآن الكريم أن يواصل لليوم المائة على التوالي السير على نهج الإعلاميّ المصريّ أحمد موسى، ويحذّر المتشبّثين بأسوار الكعبة، خلال خطبة الجمعة الأخيرة، من مغبّة المساس من أمن الدّولة وهيبتها.

تلى ذلك، تصريح له، على قناة الإخبارية السعودية، قال فيه عبد الرّحمن السديس إن الولايات المتّحدة الأمريكية والمملكة العربيّة السّعودية تمثّلان قطبي العالم اللّذين سيقودان البشرية جمعاء إلى الرّخاء والسّلامة، داعيا اللّه أن يسدّد خطى كلّ من “دونالد ترمب” وخادم الحرمين الشّريفين بحسب تعبيره.

لم يكن خافيا، منذ أن بدأت المملكة العربيّة السّعودية وإلى جانبها كلّ من البحرين، مصر والإمارات العربية المتحدة حصارها الغاشم على دولة قطر، أنّها تبحث كما بحث بشار الأسد في سوريا، عن مجتمع إسلاميّ “متجانس، لا دعاء فيه إلاّ للملك، ولا أمر فيه إلا للملك ولا حكم فيه إلا للملك، ولربّما هي أشهر قليلة متبقّية ستمتلئ بعدها سماء العالم العربي بصواريخ جيش بلاد الحرمين.

نزعة السّعوديّة نحو السيطرة، تجلّت واضحة من خلال كلمات القارئ السّديّس في أكثر من مناسبة، أبرزها، تلك الّتي رتّل فيها على مسامع المسلمين من كلّ حدب وصوب، بعد تعيين الأمير محمد بن سلمان وليّا للعهد،  آيات اللّه عزّ وجلّ “إنّ اللّذين يبايعونك إنّما يبايعون اللّه“..

حقيقة، كشابّ مسلم عربيّ  يبلغ من العمر خمسا وعشرين سنة، أرهقت الهموم جسده النّحيل على عكس شيخنا الّذي ما انفكّ يتزايد وزنه وتحمرّ وجنتاه -علّه سبقنا إلى رخاء ترمب وسلمان بن عبد العزيز- كشاب عاش لأكثر من عقدين في ظلّ حكم قمعيّ رأى في الإسلام لسنوات عدوّا لدودا لنظامه حتّى منع عنّا القرآن وكاد، لولا ثورة الياسمين، أن يمنع عنّا الآذان، وكشاب مسلم حالت شرطة زين العابدين بن علي في تونس بينه وبين التّعمق في خبايا دينه فلم تُطلعه سوى على نواقض الوضوء وأركان الحجّ.

كشابّ بالمواصفات أعلاه، لا أجرؤ على الخوض في القضايا الدّينيّة المتعلقة بطاعة أولياء الأمر ولا الاجتهاد فيها ولا مقارعة السّديّس بخصوصها.

إلاّ أنّ ما شدّ انتباهي في كلام القارئ السعوديّ، حديثه عن هيبة الدّولة واستماتته في الذّود عنها، فتساءلتُ في نفسي، هل أنّ هيبة الدّولة الّتي يسعى كلّ زعماء أوطاننا المسلمة إلى التّرويج لها ستحثّ من هم في السّلطة على احترامي وزوجتي وأبنائي يوما آخر فلا ألقى نفس مصير محمّد البلتاجي في مصر وينتهي بي الأمر في السّجن  مطاردا بوابل من التّهم الكاذبة بعد أن يقتل الظّالمون ابنتي ويعتقلوا ولدي؟

هل أنّ هيبة الدّولة ستذود عنّي إذا ما قرّرت الطّائرات السّعودية والإماراتيّة أن تدكّ منزلي دكّا وتشنّ على وطني حربا ضروسا تنتشر على إثرها الأمراض والأوبئة فتفتك بصغارنا وتعذّب شيوخنا وتشرّد نسوتنا فنصير لاجئين كما حصل في اليمن؟

هيبة الدّولة الّتي تسعى السّعوديّة إلى فرضها بكلّ الطّرق حتّى حوّلت رجال دين ظنّناهم قدوة لنا إلى مجرّد أبواق سلطات غاشمة، هل ستمنع شرطيّا ما، أرهقته حرارة الشّمس أو ربّما نهره سيّده، من أن يصفعني زورا وبهتانا أو أن يقتادني إلى السّجن لمجرّد مروري بجانب سيّارة أمن كما فعل عسكر عبد الفتاح السّيسي ذات مرّة؟ وهل ستكفل حرّية قلمي، خاصة وأني طالب بمعهدٍ للصّحافة وتضمن لي عدم التعرّض لأيّة مضايقات في حال قرّرت أن أنتقد من هم في هرم السّلطة؟ هل ستضمن لي أصلا حقّي في عدم إبداء رأيي والاكتفاء بالصّمت وألاّ أُخيّر بين السّجن والشّهادة الزّور كما حصل مع الدّاعية سلمان العودة؟

إنّ المملكة العربيّة السّعوديّة وغيرها من الدّول الّتي تسعى حكوماتها إلى تربية شعوبها على السّمع والطّاعة كمصر وسوريا والإمارات العربية المتحدة وربّما جميع بلدان عالمنا العربي لم تستسغ بعد فكرة ولادة جيل جديد مختلف عن سابقيه، جيل يأبى أن يكون كمن بلغوا من العمر عتيّا مجرّد جماهير تُصفّق إذا ما طُلب منها التّصفيق، فإذا ما رفضوا، فعلوا بهم كما فعل مقدّم تلفزيّ تونسيّ مع الحاضرين في برنامجه حين رفضوا الانصياع لأمره، احتجاجا على عدم سداد أجورهم، فصاح فيهم أن لا صوت يعلو فوق صوتي، قبل أن يطردهم خارج الأستوديو.

 يحاول الأمير محمد بن سلمان، وهو في طريقه نحو التربع على عرش المملكة، التّرويج لصورة دولة ذات هيبة وضمان خلوّ العالم العربيّ من أصوات مناهضة له.. فإن فعل فسيثبت بذلك أنّه  ومن خلفه ممن يوسوسون له عبر شاشات “سكاي نيوز عربية”، لم يدركوا بعد بأنّهم سيواجهون جيلا يرى أن هيبة الدّولة من هيبة مواطنيها، سقط آليا أمام الفقر والظّلم والقمع، أمام عصيّ أفراد الأمن إذا ما هوت على أجساد المواطنين، وأمام دبّابات العسكر إذا ما صُوّبت مدافعها في وجه المحتجّين.

جيل لا يهتمّ لصورة مفبركة على شواطئ البحر بخلفيّة مظلمة سوداء ملؤها المعتقلات والإرهاب انتهاك الحقوق والحرّيات.

جيل يسعى إلى أن يكون شخصيّة أساسيّة وفاعلة في الصورة فيغيّر ألوانها الدّاكنة إلى أخرى زاهية.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها