الداية العصرية

يرتبط لقب “الداية” في أذهاننا بصورة سيدة ريفية قوية تنادي بصوت عال طالبة الماء الساخن وتقف على فراش عليه امرأة حامل تتأوه وتصرخ من آلام المخاض.

يرتبط لقب “الداية” في أذهاننا بصورة سيدة ريفية قوية تنادي بصوت عال طالبة الماء الساخن وتقف على فراش عليه امرأة حامل تتأوه وتصرخ من آلام المخاض.

هذا المشهد يستمر طويلا وينتهي بتوقف صراخ الأم ليبدأ صراخ المولود وسط فرحة وزغاريد أهل الدار.

فهل مازالت هذه الصورة على حالها؟ وهل انتهت مهنة الداية؟

الإجابة قد نعرفها في هذا الخبر الذي نشرته صحيفة الغارديان وأغلب الصحف البريطانية منذ أيام؛ إذ تعهدت الحكومة البريطانية بتدريب وتوظيف 3 آلاف قابلة قانونية “داية” خلال السنوات الأربع القادمة وذلك لتوفير عناية صحية للنساء الحوامل مع نفس القابلة بهدف تقليل معدلات الإجهاض وموت الأجنة في الرحم.

هذا التعهد الذي أطلقه وزير الصحة والرعاية الاجتماعية جيرمي هانت أعقب تحذيرا أطلقته الكلية الملكية للقابلات من نقص مزمن في خدمات الولادة.

انطلاقا من هذا الخبر يمكننا القول إن المجتمعات المتحضرة تعترف بأهمية مهنة القبالة بل وتدعمها وتصقلها بالعلم.

فدور القابلة هو رعاية الحامل من بداية الحمل ومتابعتها بتمارين خاصة لتسهيل الولادة وكذلك دعمها في استمرار الرضاعة الطبيعية وملاحظة أية مضاعفات للحمل وتحويلها مباشرة لطبيب مختص..

وفي بريطانيا مثلا تتأهل القابلات عبر دراسة جامعية تستمر لثلاث أو أربع سنوات تحصل بعدها القابلة على دبلوم التعليم العالي في القبالة.

وتعتبر القبالة مهنة مستقلة في عدة دول غربية، ويمكن للقابلة أن تدير عيادتها الخاصة إذ تعترف الدول بحقهن في مزاولة أعمالهن تماماً كالأطباء الاختصاصيين.

وتشير إحصاءات غربية إلى زيادة معدلات الولادة في المنزل على يد القابلات وتتم أكثر من 75% من الولادات على أيدي قابلات قانونيات في البلدان الغربية، وخصوصا أن الولادة على يد القابلة أقل تكلفة.

وعلى صعيد الدول العربية، توجد عدة معاهد للتمريض والقبالة ويتم توظيف القابلات في عدد من المستشفيات الكبيرة.

لكن المشكلة التي تواجه القابلات هي النظرة النمطية من قبل المجتمع لهن والتي تفتقر إلى إدراك المؤهلات العلمية للقابلة العصرية ودورها الذي يتخطى التوليد الطبيعي.

فحتى زمن ليس ببعيد، كانت الداية سيدة صاحبة خبرة في توليد النساء وتخصصت في الأمر بالإضافة إلى امكانية تقديم علاجات أغلبها بالأعشاب لبعض الأمراض النسائية ومشكلات الرضاعة.

وفي بعض المناطق الريفية والقرى العربية المحافظة مازالت مهنة القابلة موجودة على نمطها القديم إذ يتم اللجوء لقابلات غير حاصلات على مؤهلات علمية بسبب العادات والتقاليد التي ترفض عدم كشف النساء على الغرباء وخاصة الأطباء الرجال.

ومن المؤكد أن عالم الدايات العصريات يثير فضولكم كما يثير فضولي؛ ولذلك ستكون معي في حلقة الأربعاء المقبل من برنامج “مع الحكيم” قابلة قانونية عربية “داية عصرية” حاصلة على شهادات علمية نتعرف منها على طبيعة عملها، إضافة إلى نساء حوامل منهن بعضهن وضعن مواليدهن على أيدي القابلة.

وبالرغم من الدور الفاعل والحيوي للقابلة فلا يلغي ذلك دور الطبيب المختص الذي يبقى المرجع الأول والأخير لمتابعة حالات الحمل والمسؤول عن سلامة الأم والجنين.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها