الحفرة .. نظرية الزيادة بالسالب

الإخوان المسلمون

كانت لعبة الألغاز في الصغر هي أم الألعاب التي لا تحتاج جهدا عضليا بقدر ما تحتاج مجهودا ذهنيا، وكان من بينها اللغز الأشهر: ما هو الشئ الذي كلما زاد نقص؟

كانت الإجابات تتباين والصيحات الممزوجة بالضحكات تتعالي وكانت دوما الإجابة الصحيحة المطابقة لكتاب الألغاز هي التي تفوز، إجابة هذا اللغز الصحيحة هي (الحفرة).

إن نظرنا لنتيجة العمل الناتج عن الحفرة سنجده زيادة في نقصان ونقصان في زيادة وضع محير فعلا.

هذا بالضبط ما يجب أن ننتبه له في أيامنا تلك فإننا إن استجبنا للابتزاز الذي يمارس علينا والضغوط النمطية التي نتعرض لها فإننا ننقص من حيث أردنا الزيادة، إليك بعض الأمثلة الواضحة في هذا الشأن:

النظام العالمي المتمثل في دوله القوية ومنظماته المهيمنة قد صنع بعض الأوضاع والمنطلقات التي يسيطر بها علي مقدرات العالم بدوله وتجمعاته الحيه، فتراه يغض الطرف عن الجرائم بينما يتصيد الهفوات، في سبيل ذلك يضع المصطلحات الخادمة لهذه المنطلقات فتراه يحارب (الإرهاب) دونما يضع له تعريفا واضحا منضبطاً ليطبق علي الحالات جميعا بالسوية لكنه تعسفا يستخدم كغطاء لحرب صريحة علي الإسلام.  

وتراه من جهة أخرى ينافح من أجل حرية الشواذ وحقوق مزعومة للمرأة والطفل ولا تتعب كثيرا في ربط هذا بالرغبة في وأد الفضيلة من المجتمعات فيسهل قيادتها بلا تعب.

قس علي ذلك أمورا كثيرة لا تبدأ بالبرامج الأممية المتعلقة بتنظيم الأسرة ولا تنتهي بنفس البرامج المتعلقة بقانون الحرب.

الحفرة .. إذا ما علاقة الحفرة بما أوردنا؟

عندما تستجيب للأوصاف والأوضاع والمنطلقات التي فرضها المجتمع الدولي لأجلك والتي تتعارض مع ثوابتك التي ارتضيتها فإنك بذلك تكون قد حفرت حفرة فنقصت من حيث تريد الزيادة أو بالأحرى زدت في نقصان.

هذا بالضبط ما وقع فيه بيان جماعة الإخوان المسلمين في لندن الموجه لقمة الجامعة العربية وأعني فيه بالأخص نقطتين للدلالة علي نظرية الحفرة تلك:

النقطة الأولي: وصف الكيان الصهيوني بـ (دولة إسرائيل)  وهو الوصف المتعارف عليه دوليا والذي ترفضه أدبيات جماعة الاخوان المسلمين وهذا لم يوفر الزيادة التي ابتغاها كاتب البيان وهي طمأنة الملوك والرؤساء ومخاطبتهم وفق ما يقبلون؛ ولكنها حققت النقصان التام من أدبيات الجماعة ومبادئها والتي لن يمحوها اعتذار ملتبس.

النقطة الثانية: هي وصف الكيان الصهيوني بنظام الفصل العنصري والثناء علي السيدة ريما خلف التي استقالت من الأمم المتحدة علي خلفية ضغوط لسحب تقرير يصف إسرائيل بممارسة سياسة الأبارتايد أو الفصل العنصري وهذا أيضا نقصان من حيث أراد كاتب البيان الزيادة إذ أن الوصف ينصب بالدرجة الأولى علي كون إسرائيل (دولة) تمارس (فصلا عنصريا ) بين (مواطنيها) العرب واليهود!! وهذا يتعارض مع كونها احتلال يغصب الأرض من أصحابها لصالح المستوطنين.

أرأيت أن هاتين النقطتين بالذات جاءتا نقصا في موطن يقصد به من طرحوه الزيادة.

يا سادة لا تزايدوا علي مبادئكم ولا تسلبوا حقوقكم بأيديكم ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، ولا تحفروا حفرة و تظنون أنكم تزيدون؛ فالحفرة تنخر الأساس وتقوض الجذور ثم يستخدمها القوي قبرا يدفن فيه من حفرها ويهيل عليه التراب.

الزيادة لا تأتي من الحفر وإنما تأتي من علو البنيان علي اعتدال وصفاء المبادئ بلا ابتذال و الأخذ بالأسباب المتاحة بلا اتكال.
 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها