الثورة السورية واختلاط الحابل بالنابل

ثمة متغيرات على الساحة السورية أصبحت أكثر وضوحًا لأولئك البعيدين عن السياسة، فالدول المساندة للثورة السورية لا تمتلك رؤية واحدة حول سوريا، الأمر الذي انعكس على الميدان.

لاشكَّ أن القلق والهلع صار كابوسًا يرافق السوريين الذين ضاقوا ذرعًا بالحرب أيًّا كان شكلها وأطرافها، خاصة بعد حصول النظام على الضوء الأخضر من المجتمع الدولي باستخدام كل وسيلة حربية ممكنة، ليستنزف جهود النشطاء السلميين الذين ثاروا للتخلص من قيوده الأمنية تجاه سوريا الجديدة، سوريا التعددية والمؤسسات والقانون.

إلّا أن النظام وبكل دهاء، كان له ما خطط، فعُسكرت الثورة وتشرذمت وفق أهواء الجهات الممولة للسلاح، وبدأ ينحو منحى التعامل مع الإرهاب المزعوم، لكسب بعض المواقف الدولية والإقليمية.

فمن طائرات النظام السوري وحلفائه التي صبت حممها فوق رؤوس الأهالي، دون تفرقة بين طفل أو امرأة أو شيخ، إلى حالة الاقتتال بين رفاق الخندق الواحد، داخل المناطق المحررة بين فصائل المعارضة المسلحة، مُستخدمةً مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة ضد بعضها، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة لدى المراقب للأزمة السورية.

فالشعب السوري ملأ الساحات والشوارع والأزقة مناديًا بصوت واحد ترددَ صداه في مختلف بقاع الأرض ووسائل الإعلام العربية والغربية “واحد واحد واحد … الشعب السوري واحد”، لكن تلك الهتافات تحولت إلى هشاش، بعد أن التف غالبية الشعب حول الفصائل بغية تحقيق الوحدة والانضواء تحت مسمى واحد وهدف واحد يحقق تطلعات الشعب السوري في الحرية والعيش الكريم، ليذوب الثلج ويتوضح كل شيء، فلا مرج في الانتظار، بل إن تلك الفصائل دخلت بقيادات معروفة وغير معروفة، من حيث المبدأ والاتجاه والهدف والتمويل، ليخترق المال السياسي صفوف الثوريين، ويختلط الحابل بالنابل”، فالأراضي الخارجة عن سيطرة النظام تشهد بين الفينة والفينة اقتتالًا -فاق الوصف والتوقع-  في صفوف المدنيين، الذين دفعوا دماءهم ثمن التحرر من نظام مستبد على مدى نحو خمسة عقود، ليدفعوا أسعارًا أغلى بكثير تعدَّت الدم والأرض وكذلك روابط الأخوة والمحبة التي تجمع بين السوريين، وكأن الأمر يأتي أدوارًا موزعة في مكان وزمان معينين، بحسب ما تفتضيه الوقائع والأحداث على الأرض.

ثمة متغيرات على الساحة السورية أصبحت أكثر وضوحًا لأولئك البعيدين عن السياسة، فالأشياء الغريبة عن الطبيعة التي ترعرع فيها أهل الشام، دفعت كثيرين منهم للانحدار في عالم السياسة المتقلب، لكن سرعان ما ابتعدوا عنه بعد تعمقهم في عدد الفصائل المقاتلة وأهدافها، ولكل منها غاية مختلفة عن الأخرى، بحسب الداعم الخارجي أو الداخلي، فالدول المساندة للثورة السورية والداعمة للفصائل المقاتلة لا تمتلك رؤية واحدة حول سوريا، الأمر الذي انعكس سلبًا على الميدان، فضلًا عن انشقاق البعض من هذا الفصيل وانضمامه لآخر، فعدوك بالأمس قد يكون معك غدًا، وهكذا، إلى أن دخلت المعارك مراحل استباقية ووجودية بالنسبة لكل فصيل، وهذا “غيض من فيض”.

وإذا ما أردت البحث عن أسباب الاقتتال المباشرة فسوف تجدها متعددة، أما غير المباشرة فتكاد تكون واحدة وتندرج تحت المتاجرة ومثيلاتها، عرّابها المال السياسي المؤدلج زورًا، والنتيجة حتمًا واحدة، تتجسد في معاناة الشعب الذي لاحول له ولا قوة فيما يحدث، إذ إنه منهمك في البحث عن لقمة عيشه في ظل حرب لم ترحم الحجر أو البشر.

ولعلَّ ذلك يعود بنا إلى القرن العشرين، وتحديدًا إلى فترة استقلال فيتنام بقيادة “هوتشي منه”، الذي انتقل من الحياة العادية إلى السياسية، لكنه استطاع أن يهزم إمبراطوريات الشر، ويقود الشعب للنصر العسكري والسياسي، وفتح طريق الحرية أمامه، فهو واحد من أبرز القادة الثوريين الذي توصل إلى مقولة “إذا أردت أن تفسد ثورة، أغرقها بالمال”، ذلك القول الصائب الذي أطلقه الزعيم الفيتنامي لم يأتِ عبثًا أو من فراغ بل نتيجة تجربة ثورية ناجحة سجلها التاريخ، ولنا في ذلك أسوة إيجابية تجاه الوضع المأساوي الذي تمر به سوريا.

ويبقى السؤال هل يمكن أن تشهد الأيام القادمة تكوين جسم سياسي عسكري قضائي موحد، يستطيع إعلاء كلمة الحق وهزم الظلم والظلام، خاصة في ظل التحديات الميدانية والسياسية الإقليمية والدولية التي تواجه الثورة السورية؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها