التهجير في سيناء

عناصر من الجيش المصري في سيناء
أفراد من الجيش المصري في سيناء

الغموض والعشوائية وتصدير حالة الريبة وفقدان الثقة والمصداقية، عندما تكون ملامح للحالة الأمنية في مكان أيا كان.

وعندما تكون صفات لمن يديرون الملف الأمني في أي مكان، فإن الرسالة الوحيدة التي يمكن قراءتها هي (المسارعة بالخروج من المكان وبأقل الخسائر) فهل المشهد في مدينة العريش مغاير لهذا الوصف أم مطابق له؟ لنناقش إذا سويا ولنحاول تفسير وتبرير ما يحدث.

أولا: ما معنى أن تترك الإدارة مصير ثلاثة من أمناء الشرطة مجهولا، وهم مختطفون لا أحد يعلم عن مصيرهم شيئا ولا أين هم، بل تخرج التقارير لتقول إن السيطرة الأمنية أحكمت والمعركة في نهايتها، مع ترك عائلات هؤلاء من دون رسالة تطمين واحدة؟ ألا تستحق حياة هؤلاء الجنود بذل جهود أو حتى تنازلات ولو وقتية لضمان سلامتهم؟ وإذا كان ذلك كذلك فما هو الأثر السلبي العائد على زملائهم أفراد القوات عندما يدركون أن حياتهم والحفاظ عليها لا قيمة لها لدى هذه الإدارة؟

وماهي الرسالة  السلبية المراد توصيلها للمواطن عندما يُشاع أن هذه القوات أعجز عن حماية أفرادها وغير مهتمة بسلامتهم؟ فكيف ستتعامل مع حياته هو إذا وقع له ما وقع للأمناء الثلاثة؟ تصل إلى نتيجة واحدة، حالة من الغموض والعشوائية تفرض على كل إنسان أن يبحث عن سلامته وأمنه بنفسه وأن يتخذ قراراته بحسب تحليله وفراسته في استقراء مستقبل الأحداث.

ثانيا: في بلد يوجد بها أكثر من 300 مختف قسريا تعلن الداخلية عن مقتل عشرة، أيا كانت صفتهم فهم أبناء مدينة العريش سواء كانوا مذنبين أو أبرياء ، ثم تعلن أسماء 6 فقط وتسكت سكوتا مطبقا عن الأربعة الآخرين، في ظل أجواء وتحركات شعبية تتهم الداخلية أنها جاءت بهم من مراكز الاحتجاز إلى موقع الحادث وصفتهم بدم بارد، يترك ذلك أهل 300مختف قسريا في قلق مطبق فلا هي أعلنت عن أماكن المختفين قسريا ولا أعلنت عن اسماء من قُتلوا!  وأبسط رسالة تفهم من هذه الحالة أنها سلطة غير مسؤولة ولا يهمها من قريب أو بعيد صناعة حالة من الثقة بينها وبين المواطن أو ثقة في نزاهتها وحرصها على سلامة الأهالي أو حتى إحساسهم بالقدر الأدنى من الأمان، بل تنتقل من كونها مصدر للتأمين والحفاظ على الأمن إلى كينونة أخرى أكثر خطرا من الخارجين على القانون، فتكون مصدرا للفوضى والتهديد ولكن بملابس رسمية وحصانة قانونية، هنا يجد المواطن نفسه بين سندان السلطة ومطرقة الخارجين عليها ، فلا مفر له إذن الا بالخروج من بينهم، وهي رسالة في غاية الخطورة.

ثالثا: حدوث حالتي قتل غير مبرر وغير مفهوم ولم يتبناهما تنظيم الدولة ولا غيره، الأولى لموظف من أبناء الشرقية والأخرى لمواطن مسيحي، ليس لديهما خصومات ولا نزاعات، بل تستطيع أن تقول إن كلا منهما مواطن عادي جدا، ثم لا تهتم السلطات بالبحث عن القاتل، أو على الأقل تعجز عن الوصول إليه وينتهي الأمر هكذا، قُتلا بلا سبب ولا يعرف قاتلهما أحد، وليس لدى أهالي القتيلين أدنى معلومات حولة دخولهما في نزاع أو خلاف مع أحد يحمله على ذلك، بل بالعكس تماما مواطنان حسنا السيرة والسلوك ومنخرطان بشكل كامل في حياتهما اليومية من دون مشاكل، ليفهم من قتلهما فقط رسالة موجهة إلى أبناء المحافظات الأخرى المقيمين في سيناء وإلى النصارى المقيمين في مدينة العريش، بهدف إخلاء المدينة إلى أقل عدد ممكن، وقد حدث بالفعل وترك الكثيرون المدينة وغادروا في خطأ وخطيئة أن يستجيب الناس لمخططات نظام يهدف إلى تفريغ البلد وتصديرها للمجهول فيحققوا أهدافه بأسرع ما يمكن!

وللحديث بقية حول ملامح وإجراءات يتخذها النظام لتهجير أهل المدينة.  

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها