التنازلات المؤلمة الكبرى التي سيقدمها بشار قريباً

الأسد يزور روسيا ويجري محادثات مع بوتين
بوتين وبشار خلال لقاء سابق بينهما

المعلومات التي تأتي من موسكو عن الشأن السوري دائماً قليلة والتصريحات حول القضايا السورية المحورية  قليلة وثابتة و جامدة رغم كثرة المسؤولين الروس المعنيين بالشأن السوري، لذلك لجأ كثير من المحللين إلى التوقع وتأويل الأقوال والكلمات بل الحروف الصادرة من الروس فأصبحوا أقرب إلى المنجمين منهم إلى المحللين المتمعنين.

وانتشرت منهم ومن غيرهم بقصد أو من دون قصد سيناريوهات تفصيلية كاملة حول الإجراءات الروسية القادمة ومنها سيناريو تخلي الروس عن بشار الأسد.

ومنه انبثقت تعديلات وتفاصيل وشطحات واُقحمت صور ومقاطع قديمة لفاروق الشرع وغيره.

وعندما استدعي بشار الأسد يوم الاثنين 20-11-2017 على عجل، واستدعي وحده كما في المرة الأولى إلى الكرملين ولم يرشح عن لقائه بوتين أي شيء يُذكر، سارع المحللون المنجمون إلى تحليل اللقطات القليلة التي بثها الروس عن اللقاء وقالوا:

“لقد كان بشار متجهماً قلقاً وغير مرتاح أبداً” وسارعوا إلى تفسير ذلك “بالرحيل”.

وبعد يومين أي يوم الأربعاء 22-11-2017 عندما أعلن بوتين خلال افتتاحه قمة جمعته مع رئيسي تركيا وإيران في منتجع سوتشي أن حل النزاع السوري يتطلب تسويات و”تنازلات” من جميع الأطراف، بما في ذلك “الحكومة السورية”، طيَّر هؤلاء الأفيال ورسموا المستقبل القادم لسوريا بتفاصيل يعجز عنها الروس والإيرانيون والأمريكان مجتمعين.

واستمر هؤلاء يفسرون تخلف وفد النظام عن اجتماعات جنيف في اليوم الأول ورفضه المفاوضات المباشرة وتلميحه في عدم العودة بعد الجولة الأولى، فسروا كل ذلك بعلم النظام بالرحيل القريب لبشار الأسد وأن جنيف ستمهد لذلك.

وفسروا تجاوز فقرة المرحلة الانتقالية ومصير بشار الأسد على مائدة المفاوضات في جنيف على انها قضية حسمت ولابد من الكلام عن الدستور والانتخابات المبكرة وأمور مستقبلية أخرى.

هذا ما يروجون له وتتلقاه الأفواه والألسن وتنتشر مشاهده كالنار في الهشيم.

والحقيقة غير ذلك تماماً:

بشار الأسد تستدعيه موسكو وحده دائماً من غير مسؤولين مرافقين أو مستشارين لتخبر الجميع بوضوح صارخ أن عقدها في سوريا إنما هو مع وعن طريق هذا الشخص تحديداً.

وتستدعيه موسكو من دون حمايته الشخصية لتشير إلى أنها هي من تحميه وتبقيه وتحافظ عليه.

وعندما تحدث بوتين عن التسويات والتنازلات من طرف بشار الأسد فقد عنى بذلك تنازل بشار الأسد عن إكمال فترة رئاسته الحالية حتى العام 2021 وأن بشار سيتفهم وسيضحي وسيقدم تنازلات مؤلمة وسيدعو إلى انتخابات مبكرة عام 2018، وسيخوضها ليبرهن على رغبة الشعب السوري في بقائه، وسيسمح لكل المنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية بمراقبة الانتخابات وإدارتها.

وقلنا مراراً وعن دراية ودراسة إن أية انتخابات مبكرة أو متأخرة ستكون نتيجتها أكيدة حاسمة لصالح بشار الأسد ولصالح من يريدهم بشار الأسد في مجلس الشعب ومن دون أي تزوير أو ضغط، فوجود أجهزة الرعب والقمع ونجاة أصحابها من المحاسبة كفيل بأن يدفع السوريين في الداخل والخارج مسارعين لانتخاب بشار ومن معه.

إنها رمزية الرعب الرهيب التي تفسر أغلب ما جرى ويجري في سوريا.

حتى من هو في آخر بقاع العالم سيفكر في قريب أو صديق له في سوريا قد يُعتقل ويغيب، وهناك من سيفكر في عودة أو زيارة حنين عاجلة، وهناك من يخشى على جواز سفره أو تسجيل أطفاله في سجلات السفارات كسوريين.

وفي جنيف تخلف وفد النظام عن اليوم الأول استخفافاً بوفد “المعارضة” وإهانة له.

الجعفري يقول نحن وفد الحكومة وهؤلاء حالمون لا ينظرون إلى الواقع الميداني الجديد على الأرض الذي تغير وتبدل.

وهو لا يكذب في ذلك أبداً:

هو يأتي بأوراق عسكرية قوية ويتحدث عن حسم عسكري والمعارضة تصر على دخول المفاوضات بلا أي ورقة قوة ضاغطة إلا وهم ضغط المجتمع الدولي والإرادة الدولية المنصفة الغائبة.

وسيمعن الجعفري في توجيه الإهانات لوفد المعارضة وسيتمنع ويمانع ولن يكون سقف تنازله أكثر من انتخابات مبكرة يخوضها بشار الأسد أمام آخرين سيدخلون الحلبة لإعطاء بشار الأسد شرعية دستورية ومصداقية دولية.

على السوريين الذين ثاروا و ضحوا ألا ينساقوا وراء سيناريوهات موهومة وأن يسبقوا عدوهم بخطوة في مكره هذا فيتوقعوا من سيرشح نفسه أمام بشار من المحسوبين على الثورة والمعارضة.

هل سيقبل معاذ الخطيب مثلاً أن يفعل ذلك؟

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها