التعصب الرياضي

لا أدري إن كنّا نعلم أن تعصب الجماهير لأنديتها هو من أساسيات كرة القدم، وإن لم يكن الركن الأول من اللعبة الأولى في العالم، والتي تؤدي دوراً نفسياً مهماً في التوازن النفسي للمجتمع!

لا أدري كيف يزعم معظم إن لم يكن كل الكتّاب والنقّاد والمحللين الرياضيين في الخليج العربي أنهم يريدون القضاء على التعصب الرياضي للأندية وخاصة أندية كرة القدم!

كلام مثالي حلو، ولكنه خارج نطاق الواقع الرياضي في كل الدنيا، بل إنه ضد كرة القدم بالذات، والأهم أنه مناقض لنوازع النفس البشرية.

معظم هؤلاء يبذل جهداً في كبح جماح عواطفه عند التحدث عن التعصب الرياضي، وبعد قليل يدافع بشراسة عن ناديه ويصور أخطاء لاعبيه وإدارييه وجماهيره على أنها فضائل!

لا أدري إن كنّا نعلم أن تعصب الجماهير لأنديتها هو من أساسيات كرة القدم، وإن لم يكن الركن الأول من اللعبة الأولى في العالم، والتي تؤدي دوراً نفسياً مهماً في التوازن النفسي للمجتمع!
تقول الاحصائيات إنه في 23 نيسان/ابريل الماضي، شاهد أكثر من 650 مليون إنسان “كلاسيكو الأرض” بين برشلونة وريال مدريد، وهذا رقم هائل وله دلالة هامة، وهي أن حبك لفريقك المفضل يتجاوز المتعة ليصل إلى التعصب، بل إن مئات الملايين في شرق آسيا ضحوا بنومهم وبأعمالهم وأموالهم ليشاهدوا الكلاسيكو العالمي.

فلا طعم لكرة القدم بدون تعصب الجماهير، وفرحها لفوز فريقها بأي شكل وحزنها لخسارته وإن استحقها!

كرة القدم ككل الألعاب الرياضية وخاصة الجماعية منها ليست لعبة مثالية، لأنها بكل بساطة تقوم على العواطف والغرائز التي تنبذ المثالية ولذلك نعشقها!
هل صفق أحد منكم للفريق الفائز على فريقه حتى إن كان أجدر بالفوز؟ ألا تغضبون ويعلو صراخكم على إدارات أنديتكم عندما لا تحقق البطولات وتطالبون بالتغيير للمدرب والإدارة وبعض اللاعبين؟  فلنعترف أن التعصب الرياضي ليس من الموبقات ولكنه جوهر الرياضة وملحها وخاصة كرة القدم.

كل ما في الأمر أننا نرجو ألا يزيد عن حده ويصل إلى الفعل المنافي لأخلاق المجتمع كالشجار
والتشهير بالخصوم في وسائل الإعلام!

مشجعو المنتخب الإيطالي كانوا مرتاحين جداً من تصرف ماتيرازي غير الأخلاقي الذي تسبب بطرد زين الدين زيدان، والذي سهّل مهمة إيطاليا في الفوز بكأس العالم عام 2006! ولم يكن مشجعو المنتخب الفرنسي مستائين من ردة فعل زيدان العنيفة، وقد يعتبر معظم الرياضيين هذين اللاعبين من أفضل لاعبي المستديرة في العالم ويتمنون وجودهما في أنديتهم!
الكثير من زاعمي الروح الرياضية والروح الوطنية أيضاً “يريدون” القضاء على التعصب للأندية وخاصة كرة القدم، وهم في الحقيقة، من أشد غلاة التعصب لأنديتهم وهو حق لهم من المستحيل إنكاره. ولولا التعصب لما جاءت جماهير الأندية بعشرات الآلاف لتشاهد فريقها “المغمور” ــ على المستوى العالمي ــ يقارع الفرق العريقة كبرشلونة وريال مدريد ومانشستر يونايتد وغيرها في بطولة عالمية أو حتى في لقاء ودي وهي تحلم بل وتؤكد أن فريقها قد يفوز!
لولا التعصب الكروي لما بُثت البرامج الكروية وأقيمت المجالس التلفزيونية التي تكلف “الشيء الفلاني”! 

وينجح البرنامج بتواجد متعصبين لأندية متنافسة بنفس الحلقة وكلما كان “الهواش” أشد كلما كانت الحلقة أكثر متعة! ولولا التعصب لما قامت إدارات الأندية بالتسابق على اللاعبين المؤثرين والتعاقد معهم بملايين الدولارات! ولَما رأينا أحداً يهتم أو حتى يعرف هذا العدد الضخم من الكتّاب والنقّاد الرياضيين! كلنا نعرف هذا الكاتب أو الناقد ينتمي للنادي الفلاني وعليه نتخذ موقفنا منه، وكلهم اشتهروا بسبب انحيازهم لأنديتهم!
لولا التعصب لما رأيت الأعداد الغفيرة في المدرجات! ذات ليلة حلمت أن الوئام والمحبة
سادا بين ناديي العاصمة الكبيرين وتماهت مصالحهما إدارات ولاعبين، وللتدليل على ذلك أعلنوا عن مباراة بينهما ذات جمعة، فذهبت إلى الملعب لأشاهد نهاية التعصب الكروي المؤسفة وجهزت “جوالي” لتصوير الواقعة الفريدة فلم أجد سوى الحكام! نهضت من فراشي فرحاً وهتفت: “يحيا التعصب الرياضي“!!

كرة القدم بلا تعصب مثل طعام “الدايت” لا دسم ولا ملح ولا طعم.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها