البطالة في موريتانيا … جرح لا يندمل

قصص الشباب الموريتاني والبطالة مؤلمة جدًا وقاسية وهي تتفاقم سنويًا حتى أصبحت موريتانيا تعد من أكثر دول العالم بطالة وهجرة.

كغيره من حملة الشهادات العليا، اختار عبد الله أحمد، خريج كلية الاقتصاد بدرجة ماجستير، أن يعمل حمالًا في أحد الموانئ بعدما أنهكته البطالة لسنوات واقتنع بأن لا مخرج له غير البحث عن أي عمل وإن تنازل عن العمل الذي يحلم به، فبلاده لم تحن عليه هو وغيره وهم كثر، يعدون بالآلاف من حملة الشهادات الذين من النادر أن يحصل أحدهم على عمل خاصة في اختصاصه الدراسي، فلحملة الشهادات بموريتانيا قصص كثيرة مع البطالة تتفاقم عامًا بعد عام ودون أن تبحث لهم حكوماتهم المتتالية عن حلول.

وزير الوظيفة العمومية سيدنا عالي ولد محمد خونا، وفي آخر تصريح له، أكد أن “النظام الحالي خفف من نسب البطالة، فانتقلت من نسبة الأربعين في المائة إلى الثلاثين في المائة”، كما “تم إنشاء مجلس أعلى للشباب تحت إشراف الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز مهمته الأولى الاهتمام بالشباب الموريتاني ومشاكله ووضع حلول عاجلة للحد من البطالة”، حسب قول الوزير طبعًا.

اقرأ أيضًا: نواكشوط من بئر إلى مستنقع كبير أما عن الأرقام الدولية، فقد أشار تقرير منظمة العمل الدولية لسنة 2016 إلى أن موريتانيا تعد من بين الدول ذات نسب البطالة الأعلى في العالم بنسبة بلغت 32 %. بعض حملة الشهادات اختار التظاهر كحال عالي سيدنا وزملائه من خريجي كلية الهندسة، الذين حمّلوا “الفساد الإداري وعدم وجود نظام حكم للتشغيل مسؤولية عدم تمكنهم من التحصل على وظيفة تليق بهم كخريجي كليات هندسة“.

عالي سيدنا ابن السابعة والعشرين من العمر قال “المشكلة الأساسية في موريتانيا هي أن كل القطاعات تعاني من الفساد وعدم التنظيم فتجد من لم يدرس الهندسة مهندسًا ومن لم يدرس الطب طبيبًا ومن لا علاقة له بالإعلام إعلاميًا، فالمحسوبية والقبيلة لها دور كبير في تشغيل الناس في بلادي“.

وهو ما يتفق معه الباحث في علم الاجتماع محمد المختار ولد يحيى، الذي يرى أن “القبيلة تلعب دورًا سلبيًا في موريتانيا فهي من مسببات الفساد في القطاعين الخاص والعام وهو ما يؤدي إلى ارتفاع نسب البطالة وعدم توفر فرص للعمل بسبب تعيين الأقارب حتى لو لم يكونوا من أهل الاختصاص والمعرفة“.

وحمل ولد يحيى الأنظمة السياسية المتعاقبة على موريتانيا مسؤولية ما وصل إليه الشباب الموريتاني من بطالة وتفكير في هجرة الوطن بحثًا عن فرص العمل، كما أدى كل ذلك، حسب ذات المتحدث، إلى عزوف لدى قطاع كبير من الشباب الموريتاني عن السياسة مقاطعته لكل ما يتعلق بها وفقدانه الثقة في جميع النخب السياسية.

وللبطالة في موريتانيا سلبيات عديدة فقد تسببت في هجرة الآلاف من شباب موريتانيا نحو القارة السمراء ودول الخليج. وتعد موريتانيا حسب التقارير الدولية من أكثر الدول العربية التي يهجرها آلاف الشباب سنويًا.

وكان ذلك حال محمد ولد عمر، الذي رحل قبل سنوات إلى أنغولا ليعمل بالتجارة وتحدث لنا عن “وجود جالية كبيرة تزداد سنويًا هناك وتمتهن ما تيسر لها من مهن”، فمنهم من يعود ليشاركه الأهل في حصاد السنين ومنهم من يختار الاستقرار هناك فيختار دولًا أخرى في القارة السمراء وطنًا له بعيدًا عن وطنه الأم التي لم تكن يومًا أمًا حنونًا بالنسبة له ولأقرانه، كما حدثنا ولد عمر.

وليست أنغولا البلد الأفريقي الوحيد، الذي يستقطب شباب موريتانيا؛ فغامبيا أيضًا تعد من أكثر الوجهات الأفريقية التي يقصدها الشباب الموريتاني المهاجر من أرضه وتعد التجارة فيها رابحة، وفرص العمل فيها أكثر من نواكشوط، التي “لا تمنحنا أي أمل بغد أفضل” سب القاسم، ابن الخامسة والثلاثين من العمر، وقد ترك الدراسة ورمى بشهادة الدكتوراه عرض الحائط وامتهن التجارة في بلاد التجارة” غامبيا.

وليس القاسم وحده من رمى بالشهادة عرض الحائط فالعشرات غيره فرضت عليهم الحياة القاسية أن يتركوا ما عاشوا وتعبوا من أجل الحصول عليه، ليمتهنوا مهنًا أخرى ويتحسروا على ضياع سنوات العمر في الدراسة والبحث عن الشهادات، ليصبحوا بين خيارين كلاهما مر، بين البطالة والبقاء في الوطن تحصي أيام العمر وتعدها أو الهجرة وامتهان مهن أخرى لا علاقة لها بالدراسة قطعاً في معظم الأحيان.

كان ذلك ما تحدث فيه معنا الدكتور سالم عبد الودود، ابن الخمسين، وقد خبر الحياة في موريتانيا وعانى من البطالة لسنوات قبل أن يهاجر ويزاول مهنة الطب، التي اختص فيها.

قصص الشباب الموريتاني والبطالة مؤلمة جدًا وقاسية وهي تتفاقم سنويًا حتى أصبحت موريتانيا تعد من أكثر دول العالم بطالة وهجرة، دون أن تجد الأنظمة السياسية المتعاقبة على الحكم في بلد اعتاد على الانقلابات العسكرية، أي حلول شافية تداوي واحدًا من أكبر جروح موريتانيا.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها