الآفة النخبوية في صفوف الملتزمين

سيدي الملتزم صاحب الهدف والقضية، تمهل ولا تتعجل وتفرغ فاك مستنكرا أو مستغربا فلدى ما أسوقه إليك شاهدا ودليلا على تحليلي.

امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي والرسائل الخاصة بتبريكات وتهنئات وفرحة عارمة بتخفيف الظلم ولو قليلا عن بعض المعتقلين بقضية شهيرة ذائعة الصيت ومسلط عليها الأضواء مسماة إعلاميا (غرفة عمليات رابعة) ومن قبل ذلك بأيام طوال حملات ودعوات وتذكيرات بموعد جلسة النطق بالحكم الظالم المنتظر مع طلبات بضرورة تقديم قربات ودعوات لله لتفريج كربهم وكرب أسرهم.

وهذا شئ مشروع ومندوب ولا غضاضة فيه مطلقا، وبالطبع لا ألوم أو أعيب على فاعله في شئ، ولكن أقول حنانيكم قليلا.. فهناك للأمر وجه آخر قد يكون غائبًا عن جلنا إن لم يكن كلنا في الإنغماس في مشاعر التعاطف والتآزر مع من طرحت أسماؤهم وصفاتهم أمامنا ليل نهار بوسائل شتى.

فنحن يا سادة نعاني دون أن نشعر بـ (نخبوية النزعة)، التى تؤثر علينا وتستبد بنا وتنزع منا الكثير من العدل والإنصاف، إنها ببساطة آفة الاهتمام فقط والتركيز مع النخبة والمشاهير وأصحاب الأسماء والوظائف الرنانة.

سيدي الملتزم صاحب الهدف والقضية، تمهل ولا تتعجل وتفرغ فاك مستنكرا أو مستغربا فلدي ما أسوقه إليك شاهدا ودليلا على تحليلي.

بادئ ذي بدء آراك تتفق معي في هول حجم وعدد القضايا والمظلوميات الملفقة للمعتقلين والذين يبلغ عددهم في إحصاءات غير رسمية أكثر من 60 ألف معتقل موزعين على آلاف القضايا ما بين القضاء المدني المسيس والقضاء العسكري الاستثنائي، وتتوزع ملفات هذه القضايا التى هي بالالآف على مئات النيابات الكلية والجزئية وأمن الدولة والعسكرية وذلك على مستوى محافظات مصر كلها، وبالتالي تتفق معي أيضا في أنه لن يخلو يوم من الأيام – بسبب هذا الكم الهائل – من عدد كبير من القضايا ينظر في محاكم الجنايات أو المحاكم العسكرية أو له جلسات تحقيق في نيابة من النيابات، وستجد في هذا العدد من القضايا المعروضه في هذا اليوم مئات المعتقلين ولكل منهم قصة وحكاية، معذرة، أعني مأساة تحتاج إلى مساندة ومعاونة بأي شكل من الأشكال، والكثير منها بها من المآسي ما هو أكبر بكثير من تلك التي تسلط عليه الأضواء.

أري أن ما ذكرته هنا آنفا من المسلمات التى لن نختلف عليها أو حتى نحاول إيجاد تبرير لها فالتبريرات لا تجدي في تفسير التصرفات الإنسانية، فهي حقائق حتى أمام العين المجردة لا ينكرها إلا كل مغرض جاحد، وبالطبع حضراتكم لستم كذلك مطلقا.

وبالرغم من كل ما ذكرت – وأراك لا تختلف معي حوله – فنرى الفعل نقيض ذلك، نرى اهتماما مبالغا فيه بقضايا النخب والمشاهير، ونرى تهميشا وتطنيشيا لقضايا (البسطاء والمهمشين)، واعتذر بشدة عن هذا القول وما كان ينبغى لي أن أقوله وإنما أضطررت إليه لأنه يعبر فعليا عن طريقة تعملنا معهم، فنحن لا نولى لهم أدنى أهتمام في الغالب الأعم – إلا من رحم ربي – مع أنهم هم العدد الأكبر في صفوف المعتقلين.

أخي الحبيب.. كن صادقا مع نفسك الآن ولا تدعي أنك لا تلحظ الفرق، فالفرق واضح جلي لكل عين مبصرة، هذا العدد الأكبر هم من البسطاء والمهمشين – مجازا – والذين لم يكونوا نخبًا أو مشاهير أو قيادات دعوية أو حزبية يوما ما، لم يكونوا إلا جنودا مخصلين لفكرتهم، وهذا شرف عظيم أيما شرف.

ولكنها يا سادة النزعة النخبويه التى نعاني منها وتتحكم فينا وتحرك اتجاهاتنا ومشاعرنا حتى ونحن لسنا منها، فترانا لا نهتم إلا بالنخبويين والمشاهير وأصحاب الأسماء اللامعة ونتحمس لقضاياهم وأخبارهم، وعلى النقيض تماما نفقد هذا الحماس بتاتا إن كان الأمر يتعلق بشؤون وقضايا البسطاء والمهمشين وهم الأكثرية.

وهؤلاء الشرفاء المخلصون الذين نسيهم الجميع، ولن يزيدهم ذكرنا لهم في شئ، ولم ولن ينساهم  الواحد القهار سبحانه وتعالى، فهم من الأخفياء الأتقياء الأنقياء الذين إذا غابوا لم يُـفتقدوا وإذا حضروا لم يعرفوا، أثرهم موجود ويُـتحدث عنهم وسيبقى هذا الأثر حتى وإن تنكرنا لهم نحن.

وهذا أثر من تاريخ الفاروق يعلمنا ويوعظنا (قدم السائب بن الأقرع على عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يبشره بنصر المسلمين في معركة نهاوند، فسأله عمر عن قتلى المسلمين، فعدَّ فلاناً وفلاناً من أعيان الناس وأشرافهم، ثم قال لعمر: وآخرون من أفناد الناس لا يعرفهم أمير المؤمنين، فجعل عمر يبكي ويقول: وما ضرهم ألا يعرفهم أمير المؤمنين؟! لكن الله يعرفهم، وقد أكرمهم بالشهادة، وما يصنعون بمعرفة عمر؟!).

أخي الحبيب… بداية العلاج الاعتراف بالمرض، فلا يأخذك العجب والكبر وتصر على الإنكار، فكلامي ما هو إلا وضع لقدميك على أول الطريق فتحفص أنت المشهد جيدا وسيقودك هذا التفحص إلي شواهد وأدلة عديدة تؤكد تفشي تلك الآفة في صفوفنا، فما ذكرته أنا مثال واحد للتدليل وإن أردت الاستزاده فسيكون مجلدا لا مجرد مقال أو تدوينة، والأمر خطير جد خطير فآفة النخبوية هذه تقدح أول من تقدح في سمة العدل والإنصاف، وما تقوم الأمم والدول والجماعات وتستمر إلا بالعدل والإنصاف، أعاذنا الله وإياكم من الظلم والجور والجحود والنكران.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها