اغتيال العقول المقاومة يستوجب ردع الموساد

ارتبطت هذه العملية برغبة الاحتلال الاسرائيلي في تحسين مكانته في أية حرب مستقبلية ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وذلك بعد أن تغيرت القدرات القتالية والميدانية للمقاومة.

استقبلت فلسطين والعالم بألم خبر اغتيال العالم الفلسطيني الدكتور فادي البطش في العاصمة الماليزية كوالالمبور، تعيد هذه العملية للأذهان عمليات الاغتيال التي نفذها الموساد الإسرائيلي” بحق العقول المقاومة على امتداد العالم.

لم تنقطع عمليات اغتيال العلماء والأكاديميين العرب طيلة العقود الماضية، وقد رصدت إسرائيل لتلك العمليات أجهزة ومعدات ومتخصصين وأموالا، لإدراكها أنها جزء من الحرب الدائمة والمفتوحة في استراتيجيتها المعلنة والمستترة، ناهيكم عن كونها جزءا من الحرب النفسية ضد المقاومة، سواء بمحاولة إضعافها وجعل الشك يتسرب إلى صفوفها، أو بالتخلص من العلماء أو منع أصحاب العقول العربية والاسلامية من السير في نفس الطريق حتى لا يلاقوا نفس المصير.

لم يكشف بعد عن الجهة المنفذة لاغتيال البطش ، إلا أن بصمات التنفيذ وطبيعة الشخصية المستهدفة، تشير الى اتهام جهاز الموساد الإسرائيلي لتضاف إلى قائمة من انتهاكاته في العديد من الدول دون أن تلتفت إلى انتهاك سيادتها، فهي تحظى بغطاء دولي، تقابله مواقف إدانة خجولة، لا تتجاوز حد الشجب والإدانة من الدول المستهدفة.

موشي دايان قال يوماً  “إذا امتلك العرب أية كمية من الذرة، فإن جنونهم لن يردهم عن المغامرة”، واستعدادا لذلك أنشأت إسرائيل شعبتين: الأولى تابعة “للجيش الإسرائيلي”، والأخرى تنتمي إلى الموساد (المخابرات الإسرائيلية) لغرض جمع المعلومات وتقصي الحقائق ومتابعة نشاط العلماء العرب المختصين بالذرة والعلوم النادرة في جميع أنحاء العالم، كما اضفت إسرائيل على الاغتيالات الطابع المؤسسي، وكانت رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير قد استحدثت جهازا خاصا بعمليات الاغتيال أطلق عليه “المجموعة إكس” وألحقت به وحدة مختصة بالاغتيالات من جهاز الموساد .

وهكذا ظلت إسرائيل تسعى لإحباط أية محاولة لامتلاك المقاومة الخبرات العلمية والتكنولوجية وعرقلة مساعيها للحصول على وسائل ترد فيها على عدوان وجرائم الاحتلال الاسرائيلي، ويحرص الاحتلال على تكريس تقدمه العسكري والتكنولوجي على حساب المقاومة.

بالنسبة لإسرائيل للاغتيال أهداف مركبة، فمنذ نشأة دولة لم تتوقف عن سياسة الاغتيالات، يحفل التاريخ الإسرائيلي بملاحقة واغتيال شخصيات عربية وفلسطينية، فقد تعرض عدد من العلماء العرب والمسلمين للاغتيال، لأنها لا تريد للعرب والمسلمين التقدم أو الازدهار علميًا، بالإضافة إلى بعض الكتاب والأدباء الذين لم يسلموا من القتل بسبب معاداتهم لإسرائيل وأمريكا.

يهدف الاحتلال من وراء اغتيال العقول المقاومة ممن تخصصوا في مجالات من شأنها تحقيق تقدم علمي وتكنولوجي للمقاومة الفلسطينية إلى جملة من الأهداف التي تسعى إسرائيل لتحقيقها.

تحديات الحروب المقبلة التي تواجه العدو: يهدف الاحتلال من خلال استهداف العقول المقاومة إلى تحسين قدراتها ومكانتها في حال دخولها أية حروب مستقبلية مع المقاومة وفي هذا الإطار جاءت عملية اغتيال المهندس “محمد الزواري” التونسي الخبير في تصميم الطائرات بدون طيار في ديسمبر 2016م، بمدينة صفاقس التونسية وتورط المخابرات الإسرائيلية في الحادث.

وقد ارتبطت هذه العملية برغبة الاحتلال الاسرائيلي في تحسين مكانته في أية حرب مستقبلية ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وذلك بعد أن تغيرت القدرات القتالية والميدانية للمقاومة بشكل واضح منذ أن شرع القسام بالتزود بالطائرات من دون طيار، التي كان الزواري أحد المسؤولين عن تطويرها لصالح القسام، حيث إن الطائرات من دون طيار باتت مركبًا أساسيًا من مركبات القوة العسكرية للمقاومة في غزة وأحد مصادر التهديد الجدية لإسرائيل.

الحفاظ على التفوق النوعي العسكري: قامت إسرائيل بمحاولات عديدة بهدف القضاء على أية مشروعات عربية وإسلامية تسعى لاستخدام الطاقة النووية والتكنولوجيا العسكرية من أجل انفراد إسرائيل بقدرات عسكرية تمنحها تفوقا نوعيا عسكريا واستراتيجيا.

الخلاصة استهداف إسرائيل للعقول المقاومة على مدار التاريخ يأتي ضمن استراتيجية إسرائيلية ترتكز على مجموعة من السياسات والأدوات الخاصة باغتيال العقول المقاومة سواء بطريق مباشر او غير مباشر، هذه الإجراءات تم استخدامها للحفاظ على تفوق إسرائيل في شتى المجالات، ومن الواضح أن هناك تركيزًا إسرائيليًا على العقول المقاومة التي تسهم في تطوير قدرات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ، إذن سوف تبقى إسرائيل تخطط وتسعى للوصول للعقول المقاومة ، وهنا ينبغي على المقاومة حتى تستمر في بناء وتطوير برامج ووسائل المقاومة أن يكون لديها القوة الرادعة التي يحسب لها الموساد ألف حساب حين يفكر أن تمتد يده إلى أي عالم من علماء المقاومة وألا يستسهل القتل أكثر فأكثر لدرجة الوصول الى القتل لمجرد التفكير

بالعمل مع المقاومة، ولعلنا هنا نستذكر “الأمير الأحمر” حسن سلامة الذي تولى قيادة العمليات الخاصة ضد مخابرات الاحتلال في الخارج من لبنان عام 1970، ولاحق موساد الاحتلال الصهيوني، واغتال عددًا من ضباط المخابرات حول العالم، وكشف عددًا آخر من عملاء الاحتلال في الوطن العربي وخاصة في لبنان، لعله قد حان الوقت ليكون للمقاومة الذراع القادرة على ردع موساد الاحتلال وبظني لن تعجز المقاومة الفلسطينية عن تلقين الاحتلال دروساً قوية في حرب الأدمغة الدائرة مع المقاومة.  

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها