اغتصاب الأطفال.. خط أحمر جديد

يبدو أن الفتيات العشرينيات لم يعدن الفريسة الأولى ولا الطريدة المثلى للمغتصبين، الذين لا يروي ظمأ رغبتهم الجامحة في إشباع غرائزهم جسم ممشوق وقوام جذاب ووجه جميل، بل الأطفال والقاصرات والصبية والنساء المسنات قد صرن اليوم أول المستهدفين في عمليات الاغتصاب والتحرش وأكثر المتضررين منها.
اغتصاب الأطفال أصبح الموضة الجديدة للقرن الحادي و العشرين، تعددت مظاهره، وتنوعت طرقه و أسبابه، وأما عن آثاره فهي أقسى من أن تقبلها أمٌّ فماذا عن طفلها المتضرر.

مراحل تطور هذه الظاهرة :

بدأت هذه الممارسة في مراحلها الأولى في تونس على الأقل على شكل تحرش جنسي يتعرض له الطفل من قبل المربية أو المدرسة وأحيانا المديرة ثم تطوّرت في مرحلة ثانية إلى الاغتصاب الفعلي بتغيير وجهة الطفل وهو يلهو في الشارع أو أثناء اتجاهه إلى المدرسة أو الحضانة من خلال إغرائه بالحلوى أو إيهامه بأن والده ينتظره في مكان ما.

 سيصدق الطفل بما أوتي من براءة ليجد نفسه في نهاية المطاف منتهك العرض من قبل ذئب بشريّ لا يعي شيئا في تلك الأثناء سوى أنّه عليه بلوغ لحظة الانتشاء القصوى. أما المرحلة الثالثة فقد تطوّر فيها الأمر للأسوأ ليصبح اغتصابا مرفقا بعنف واختطاف، نذكر على سبيل المثال حادثة “قبلاط” من ولاية باجة التونسية حين تم اختطاف قاصر واغتصابها وتعنيف جدّتها وأمها وهي حادثة اهتزت لها كامل البلاد فقد انتهت بموت الجدة والفتاة المغتَصبة. تتمثل المرحلة الرابعة وهي مرحلة نضوج جرثومة الاغتصاب في المجتمعات العربية في أن الاغتصاب يبدأ كفعل جنسي هدفه الإشباع ليصل إلى القتل العمد بدافع الخوف من الانكشاف، و تجدر الإشارة هنا إلى قضية “حبيبة” طفلة الخمس سنوات المصرية التي اغتصبها أخ زوج أختها وقتلها بمساعدة زوج أختها… و التي لم تنجح محاولاتها “أنا مش هقول لماما” في إنقاذها من الهلاك لتُلقى بعد موتها في كيس بلاستيكي في الشارع.

كيفية التعامل مع الاغتصاب :

إن الاغتصاب والتحرش الجنسي كفعل وحشي لا يجب  إغفاله والسكوت عنه لأي سبب من الأسباب. هناك طريقتان للتعامل مع هذه الممارسة فإمّا أن تتحول القضية إلى قضية رأي عام ويشارك رواد السوشيال ميديا في نشرها والتعريف بها فينال المتضرر حقّه إما ماديا أو معنويا ويكون ذلك عادة في الحالات المرفقة بالقتل أو التعذيب أو التشفي مثلما هو الحال في حادثة “خديجة” الفتاة المغربية التي لم يكتفِ مغتصبوها العشر بالتداول على اغتصابها لمدة شهرين بل شوّهوا جسدها الملائكي بأوشام توثّق فحشهم وهمجيتهم وتموت الفتاة ألف مرّة في اليوم لرؤيتها وتذكّر ما حصل معها.
أما في الغالب فإن العائلة تختار التستر على الحادثة فهي مجلبة للعار على حد قولهم، أو يكون السبب نقص الإمكانات المادية للمرور بالمراحل والإجراءات المعقدة لهذه القضايا أو تجنّبا للفضائح حين يكون المغتصب أحد أفراد العائلة حيث تسمى هذه الحالة “زنى المحارم” وقد أثبتت الإحصائيات أن 95% من الأطفال يتم اغتصابهم من قبل أقاربهم.
لكن يبقى تكتّم الأطفال أنفسهم وعدم إخبارهم لعائلاتهم بما حدث معهم بدافع الخوف هو الأخطر إذ يشجع هذا الصمت المغتصبين على تكرار فعلتهم ويمنحهم فضاءً آمنا لتعاطي الجنس مع الطفل مرارا وتكرارا لذلك وجب على الآباء الحرص على تمتين علاقتهم بأبنائهم والقرب منهم أكثر وتثقيفهم جنسيا.
آثاره على الطفل :
حين تنتهك البراءة فلا أمل في طفل طبيعي. إن لتعرض الطفل للتحرش والاعتداء الجنسي مضار كثيرة وآثار عميقة على عاطفته ونفسيته وسلوكه.
الآثار العاطفية: لا تستغرب إن أصبح الطفل بعد التعدّي عليه عدوانيا أو بارد المشاعر ولا تنزعج إن رفض تقبيلك وضمك له حتى من باب المواساة فهذه إضرابات وجدانية طبيعية لشخص أجبر على نزع ملابسه ومورست عليه الرذيلة دون رضاه، بل إنها قد تتجاوز حدّ هذه الآثار الوقتية لتكبر معه على شكل عقد نفسية يرفض على إثرها الزواج والارتباط.
الآثار النفسية: لقد أكدت الباحثة النفسية عفاف إبراهيم أن الطفل سيعاني من الإضطراب والخوف والشعور بعدم الأمان فور خروجه من الصدمة ولن يعود إلى حياته الطبيعية أبدا بل ربما يدخل في حالات اكتئاب وقلق وسيكبر فيه احتقاره لذاته كما أنه سيتعرض لنوبات ألم حادة ولا شكّ أنه سيستفيق في ساعة متأخرة من الليل على وقع الكوابيس التي رآها في منامه والأصوات غير الموجودة التي تتردد بأذنه وقد يصاب بمرض تعدد الشخصيات الذي إما سيجعل منه مجرما أو قد يجره للانتحار عند البلوغ.
الآثار السلوكية: قد تتحوّل بعض الآثار النفسية الوقتية إلى آثار سلوكية على المدى الطويل وقد تلاحظ أن الطفل أصبح كثير الالتفات لعدم شعوره بالأمان كما أنه سيصبح كثير الانزواء والانغلاق والشرود وإن كان من اغتصبه رجلا كبيرا سيخاف كل الرجال الكبار، أما إن كان من اغتصبه صبي فسيتجنب كل الصبيان في نفس عمر مغتصبه وسيكره المكان الذي تم اغتصابه فيه وربما يتحاشى كامل القرية وحتى البلدة محاولة منه لمحو تلك الذكرى من ذاكرته.

الخاتمة :

إن وضعية ما بعد الاغتصاب لا تقل ألما عن لحظة الاغتصاب ذاتها لذلك وجب على العائلة الإحاطة بالطفل و مساعدته على تخطي و نسيان ما عاشه بالرعاية و التفهم و التأطير و عرضه على الطبيب النفسي إن لزم الأمر.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها