إعلام الثورة وحزب الكنبة!!

الإعلام الذي يستخدم كلمات فضفاضة أو عبارات غير يقينية عن الحديث عن الأهداف التي يسعى لتحقيقها، يخسر الجماهير وبالتالي يخسر قضيته، بل إنه قد يخسر الثورة نفسها.

دائماً ما كان الإعلام أحد أهم وسائل السيطرة على الجماهير والتأثير عليها وتوجيهها، وقد استمر دوره في التعاظم ووصل إلى ذروته في الوقت الحالي، مع تعدد وسائل الإعلام ومنصاته بين المقروءة والمسموعة والمتلفزة وشبكات التواصل الاجتماعي ورُصدت الميزانيات الضخمة وسخرت الإمكانات البشرية والمالية من أجل هذا، وكان تأثيره واضحاً وبقوة في الدعاية الإعلامية الموجهة والتي ساهمت وبشكل فعال في نجاح الانقلاب العسكري في مصر في الثالث من يوليو/تموز 2013.

بدايةً لا أحد ينكر الدور الجيد والمقبول نوعاً ما من القنوات والمنصات الإعلامية المعارضة للانقلاب، لكن هل هذا هو أقصى ما تستطيع فعله وتقديمه للتأثير على الرأي العام في مصر وتحريك الكتلة الأكبر من الشعب المصري أو كما اعتدنا أن نطلق عليها “حزب الكنبة”، الذي يكاد ينفجر من الحال السيئة التي وصلت اليها مصر من تردي للوضع السياسي والاقتصادي وارتفاع للأسعار وسوء أداء المؤسسات الخدمية للدولة من تعليم وصحة وكهرباء وطاقة واتصالات وما الى ذلك، مع ارتفاع فواتيرها بشكل سريع ومستمر والوضع المأساوي وغير المسبوق من القمع وكبت الحريات والقتل لمجرد الشبهة والاعتقال العشوائي والإخفاء القسري وغيرها من انتهاكات لحقوق الإنسان، والتدهور المستمر للحالة الأمنية في كافة ربوع البلاد.

 القنوات والمنصات الإعلامية المعارضة للانقلاب وأصر على تسميتها “المعارضة“ لأنها لم ترق أو تصل بعد لتكون قنوات ومنصات ثورية تسعى لتقديم إعلام له رؤية واضحة واستراتيجية محددة وموجهة لإسقاط الانقلاب، ولكنها تكتفي بنقد تصرفات وقرارات منظومة الانقلاب العسكري وتلقف أخباره وأخطاءه وحماقاته وتحليلها ونقدها مثلها مثل أي قناة أو منصة إعلامية معارضة لنظام الحكم القائم وكفى.

لا أدري متى يدرك الإعلام المعارض للانقلاب أن أنظمة الحكم الإستبدادية والقمعية في المرحلة التي تسبق سقوطها لا تستطيع أن تقوم بما هو صحيح”الاستجابة لمطالب الجماهير”، لكنها بدلاً من ذلك ترتكب أخطاء تؤدي إلى زيادة السخط الشعبي عليها، ويجب علينا توظيف هذا السخط وتوجيهه نحو إنجاح الثورة واستعادة مكتسباتها عبر إسقاط الإنقلاب.

الواقع قد أثبت أن غالبية الشعب المصري تتقبل الواقع الذي تعيشه،حتى لو كان هذا الواقع يفتقد إلى التبرير العقلي والأخلاقي وخروجهم على واقعهم هذا ورفضهم له يحتاج لكي يحدث إلى أزمة نفسية عميقة تهز نفسية المجتمع في أعماقه، عمق واتساع هذه الأزمة النفسية يزداد عند تعرض المجتمع لكارثة،لهزيمة عسكرية، لمصيبة، لمذبحة “و ما أكثر الكوارث والمذابح و المصائب التي قام بها الانقلاب العسكري”، تنتاب المجتمع حينها حالة غضب على مسبب هذه المصيبة، المذبحة، ومهمة الإعلام الثوري هي الحفاظ على حالة الغضب تلك وتوجيه الجماهير نحو التحرك ضد نظام الانقلاب لأن تماسك الالتفاف الجماهيري حول الثورة مرهون ببقاء حالة الغضب لدى قطاعات الشعب الناقم والغاضب على نظام الحكم القائم.

الجماهير في العادة لا تمنح ولاءها لقيادة غير متيقنة من إمكانية تحقيق الأهداف التي تسعى لها، الإعلام الذي يستخدم عند الحديث عن الأهداف التي يسعى لها كلمات فضفاضة،ألفاظ غير يقينية عبارات لا تدل على ثقته بتحقق تلك الأهداف يخسر الجماهير وبالتالي يخسر قضيته،بل إنه قد يخسر الثورة نفسها.

الخطاب الإعلامي الثوري يجب أن يتحدث عن أهداف العمل الثوري كحتمية تاريخية لا يمكن تجنب حدوثها، خطاب كهذا هو الذي يستطيع أن يكسب ولاء الجماهير للثورة ويدفعها للخروج لتغيير الوضع المأساوي والمتردي الذي تعانيه.

الإعلام الثوري يجب أن يحقق سيادة لمفهوم معين في مسار الثورة “أي يصبح هذا المفهوم وما يرتبط به من معنى له السيادة على عقول الناس” لا يتراجع ويتناول قضايا جانبية أقل مما وصل إليه ولا ينجر إلى هذا الشرك، ويحاول أن يثبت صحة موقفه فيها بعيداً عن الإطار العام الذي يطرحه وهو نجاح الثورة وإسقاط الانقلاب العسكري.

لكن للأسف القنوات والمنصات الإعلامية المعارضة للانقلاب لم تصل لتلك المرحلة بعد وما زالت بحاجة إلى الكثير من العمل والجهد لتنتقل إلى مربع الإعلام الثوري بحق.

لقد نجحت القنوات المؤيدة للانقلاب حتى الآن في المعركة الإعلامية لإنها تقوم بادارتها بإصرار مستمر فجميعها تتفق على نفس الأهداف وتبذل أقصى ما يمكنها وتُسَخر كل طاقاتها لقلب الحقائق وتزييفها وتصوير الواقع على غير ما هو عليه لتجميل الانقلاب، لأنها تدرك حتمية انتصارها في تلك المعركة وتدرك تماماً العواقب الوخيمة التي ستصيبها لو سقط الانقلاب فهي تتعامل مع الوضع من منطلق إنه معركة حياة أو موت.

ولأنها تعرف من أين تؤكل الكتف كما يقولون فهي تقوم بتركيز خطاباتها وبرامجها لتمجيد شخص قائد الانقلاب “عبد الفتاح السيسي” وتتوجه بمعظم جهدها و خطابها للبسطاء من الشعب المصري “لأن النخب المصرية في كافة المجالات قد حددت مواقفها السياسية بالفعل”، ولأن البسطاء هم الغالبية والقوة المؤثرة والقادرة على تغيير المشهد السياسي في الوقت نفسه، ولذلك تركز في خطابها بأن السيسي هو القائد الأعظم والسياسي المحنك ورجل المخابرات الذي لا يشق له غبار والمخلص المنتظر، بينما نجد القنوات والمنصات الإعلامية المعارضة للانقلاب قد فشلت في تحقيق هذا المطلب الهام جداً وهو جعل الشعب المصري يلتف حول شخصية القائد الثوري أو حتى حثها للالتفاف حول كيان ثوري موحد “إذا اتسمت المعارضة والكيانات الإعلامية المعبرة عنها بشيءٍ من التواضع والتجرد وتنحية الخلافات وترجيح المصلحة العامة على المصلحة الحزبية والآجل على العاجل”، واجتمعت في كيان موحد تكون أهم أهدافه هو تحقيق مطالب الجماهير في الحرية والعدل والمساواة والعدالة الاجتماعية، خاصةً بعد هذا التراجع الواضح للمسار الثوري وقرب الثورة المصرية من المصادرة والدولة المصرية أصبحت على شفا السقوط والإنهيار.

ولأن السلوك السياسي للجماهير “بشكل عام” ليس ناتجاً عن تحليل فكري أوعقلاني، بل ناتج عن مشاعر ورغبات، فقد نجح إعلام الانقلاب في مهمته بدليل أن البعض من المصريين بل الكثير منهم ما يزال يؤمن بأن سد النهضة يحمل الخير لمصر وأن المشاريع الوهمية “الفنكوشية” ستدر أرباح خيالية وسيعم الخير على جموع الشعب إن هي صبرت وتحملت صعاب الطريق مع القائد الملهم، ويرى أن التنازل عن تيران وصنافير هو قمة الحفاظ على الأمن القومي والسيادة المصرية وما زال يدافع باستماتة عن وطنية السيسي والعسكر ،وأنهم يحاربون العالم كله الذي يتآمر على مصر.

بينما القنوات والمنصات الإعلامية المعارضة للانقلاب ما تزال تخاطب نفس الفئة المناوئة للانقلاب من الأصل دون محاولة استمالة فئات جديدة من الشعب المصري لتصل إلى تكتيل أكبر عدد ممكن يكفي لقيام موجة ثورية جديدة لإسقاط الإنقلاب العسكري وكيف يتأتى لها هذا وجميعها بلا استثناء مختلفةً فيما بينها حول الهدف والإستراتيجية وتغرد كلاً منها بعزف منفرد ومتمايز عن الأخرين.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها