أيمن صادق يكتب: “مذبحة” مصطفى محمود المنسية (2-2)

بعد تشيد المنصة وبدأها في توصيل خطاب إعلامي للمعتصمين وغيرهم، حدثت جلبة في إحدى جنبات الميدان ، وباستطلاع الأمر شوهد الشيخين محمد حسان ومحمد حسين يعقوب ــ المحسوبين على التيار السلفي. يتبع

قوات الأمن تفض اعتصام انصار مرسي بميدان مصطفى محمود

بعد تشيد المنصة وبدأها في توصيل خطاب إعلامي للمعتصمين وغيرهم ، حدثت جلبة في إحدى جنبات الميدان ، وباستطلاع الأمر شوهد الشيخين محمد حسان ومحمد حسين يعقوب ــ المحسوبين على التيار السلفي والدائر حولهما لغطا كبير من موقفهم السلبي تجاه ما يحدث ــ ولا أعلم حتى الآن سبب قدومهما إلي الميدان يومها ، فمن قائل: أنها محاولة للتأثير على المعتصمين لتفريقهم وإفشال الاعتصام قبل أن يبدأ ، ومن قائل: جاءا لإعلان رفضهم لطريقة فض الاعتصامين ، ومن قائل أنهما أتيا لحفظ ماء الوجه أمام العامة و و و و ولكن كل ذلك في علم الغيب لا يعلمه الإ علام الغيوب .

ولكن ما أعلمه يقينا أنهما لم يقدما شيئا للمعتصمين ولم يحدث بقدومهما أدني إستفادة تذكر ، بل على العكس وما نالا بعد حضورهما إلا إزدياد السخط عليهما من بعض المعتصمين ، فما أن حضرا حتى تم اصطحابهما إلي المنصة وصعدا عليها وجلسا ، وشرع الشيخ حسان في الحديث إلي المتظاهرين فأصيب ــ والله اعلم مدى صدقها ــ بوعكة صحية كانت على أتذكر ضيق في التنفس ، فتم إنزاله من على المنصة هو الشيخ يعقوب وإنصرفا من الميدان فورا ولم نعلم فيما حضرا وفيما انصرفا ــ غفر الله لنا ولهم ــ

ومن بعد صلاة ظهر اليوم اشتد هجوم القوات على الميدان وحاولت مدرعات الجيش والشرطة دخول الميدان من شارع جامعة الدول العربية من اتجاه شارع البطل احمد عبد العزيز تتقدم المدرعات تحت وابل كثيف من الرصاص الحي يجعل المعتصمين يتققهرون ، ثم عندما يتوقف الرصاص يهجم المعتصمين بالحجارة صوب المدرعة فتتقهقر مرة أخرى وهلم جرا .. وفي كل محاولة يسقط أعداد شهداء وجرحى ، حسبنا الله ونهم الوكيل .

ثم ظهر لاعب آخر في الملعب ، دائما ما يظهر في كل المذابح التى تمت منذ بداية ثورة يناير وحتى اللحظة التى نحن فيها الآن ، لأنه من وجهة نظرهم عنصر حاسم في المعركة وبدون خسائر طرفهم ، أتحدث عن القناصه ، ففي حوالى الثانية بعد الظهر تلاحظ سقوط شهداء وجرحي من جراء طلقات رصاص حي بصورة مباغته ، فجأة يسقط أحدهم بجوارك ، فتتبعنا الموضوع فعرفنا المصدر وحددنا مكانهم فوق إحدى العمارات المطلة على الميدان ، عمارة خارج الحدود التى رسمها المعتصمين لأنفسهم وتترسوا بحواجز حولها ، من خارج هذه الحواجز ليستطيعوا الصعود اليها ن دون أن يراهم المعتصمين ، طريقة لقتل المعتصمين تتسم بالخسة والنذالة والخيانة وذلك ليس بغريب على انقلابيين سفاحين …. وقام أحد الشباب ممن يحملوا كاميرا بعدسة مقربة بتصوير عملية إطلاق النار من قبل القناصة على الميدان ، أعتقد أنه يمكن الحصول على هذا الفيديو من على اليوتيوب ، إن لم يقم الانقلابيون بحذفه .

ظهر القناص في هذا اليوم وترك في نفسي آلما شديدا لفقدان أحد الأخوة الكرام برصاصة منه ، وقد سقط بجواري مباشرة ، كنا نقف سويا متجاورين ننظر في اتجاه العمارة التى يأتى الموت من أعلاها في محاولة لتبية الأخوة بالابتعاد عن مرمى النيران ، وفجاءة سقط الأخ الكريم مدرجا في دماءه فقد أصابته رصاصة قاتلة في بطنه ، وقضىمن فوره الي ربه شهيدا ، تاركا إياي أتسأل لما لم تصبني الرصاصة والفاصل بيني وبينه سنتىمترات معدودة ، ليس لها إجابة إلا ? وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء? ، أنه أخي الحبيب الشهيد عاطف عبد الجيد من الكوم الأحمر محافظة الجيزة تقبله الله في الشهداء.

واستمر الكر والفر بين المعتصمين وقوات الاتقلاب الغاشمة وتراجع المعتصمين الي نهاية الميدان من ناحية عمارة أبو الفتوح ليبتعدوا عن مرمى الرصاص الحي وأمطرت القوات الميدان بوابل من قنابل الغاز بصورة مكثفة وكنا وصلنا تقريبا الى الساعة الربعة مساء تقريبا … ثم توقف الهجوم قليلا فانتشر المعتصمين مرة أخرى في الميدان ، فالتقطنا من الميدان عبوات فارغة لقنايل الغاز أثارت اندهشنا لأننا لم نرى مثلها من ، فالشكل المعتاد لقنابل الغاز هو ذلك الشكل الاسطواني العادي الذي رأيناه أثناء ثورة يناير وحتى حدث الانقلاب ، أما ما وجدناه فهو عبوة أسطوانية الشكل مستديرة من المقدمة ولها ريش في النهاية (شكل الصاروخ بالضبط) ولكنها ضغيرة الحجم طولها تقريبا عشرة أو خمسة عشرة سنتيميتر .

ولا ولن أنسى ما حييت موقف أخي الحبيب المهندس/ محمد السيد والذي كان يحوطني من كل جانب منبها اياي لأبتعد عن مرمى الرصاص وأجبرني بألحاحه علي أكثر من مرة أن أحتمي بالعمارات التى في نهاية الميدان وظل كذلك حتى إنصرافنا من الميدان ، فجزاه الله خير الجزاء ، وهذا نموذج لأمثلة في الأخوة رائعة ظهرت يومها ، رحم الله أخي المهندس/ محمد السيد (امبابه ـ الجيزة) فقد استشهد بعدها بأيام من جراء أصابته بطلقة من طائرة في ميدان رمسيس يوم 16 أغسطس 2013 .

وصلنا الي الساعة الخامسة مساء تقريبا .. وازداد عدد الشهداء والمصابين ، بدأ يظهر الإعياء والإرهاق على المعتصمين من جراء الكر والفر وإخلاء الشهداء والجرحى وتجهيز الحجارة المستخدمة في الدفاع عن أنفسهم ، ووصل إلي علمنا بأنه مع آخر ضوء للنهار سيقوم البلطجية المتجمعين ناحية شارع السودان مدعومين بالشرطة السرية بالهجوم على المعتصمين من اتجاه شارع السودان بالتزامن مع هجوم الآليات من اتجاه سفنكس وهذان اتجاهان متقابلين فيصبح المعتصمين بين فكي كماشة ، ومع عدم وجود أي شئ يستخدمه المعتصمين للدفاع عن أنفسهم عدا الحجارة التى بدأت تستنفذ هي الأخرى ، عندها سيصبح الأمر صعب جدا قد يؤدي إلي سقوط الكثير من الشهداء والجرحى ، اضف إلي ذلك عدم وجود مؤن (طعام ـ شراب ـ فرش وأغطية) ، مما يعنى أن فكرة إعلان الإعتصام في هذا التوقيت وهذه الظروف يعد انتحارا .

ولكننا خشينا أن يكون ما وصلنا عن استعداد البلطجية للهجوم بالتنسيق مع القوات ، هو مجرد إشاعة موجهه منهم لتوجيه المعتصمين نحو إخلاء الميدان دون مقاومة ، فأرسلنا من أندس وسط البلطجية وتأكد أنها ليست إشاعة وأنهم بالفعل سيهجموا مع بداية الظلام ، وأن أجهزة محليات الانقلاب ستقوم بقطع الكهرباء عن الميدان لتوفر للمهاجمين ساتر لتنفيذ مذبحتهم وجريمتهم .

عندها فقط تم سريعا التشاور واتفق على صرف جموع المعتصمين تباعا على دفعات ويخرجوا من الميدان من الشوارع الجانبية في اتجاه الدقي من خلف مسجد محمود وفي الاتجاه الآخر ناحية ميت عقبة وشارع سوريا ، وتم ترتيب الأمر حتى لا يشعر البلطجية والقوات بعملية إخلاء الميدان إلا بعد أن يكون المعتصمين انصرفوا بالفعل ، وهو ما حدث وتم إخلاء الميدان قبل حلول الظلام مباشرة .

أحداث هذا اليوم لفتت نظر سلطة الانقلاب إلي أهمية هذا الميدان الذي يقع في وسط محافظة الجيزة في منطقة من أرقى مناطق المحافظة يسكنها علية القوم وعدد من المسئولين ، هذا جعلهم يحاصرون الميدان ويجعلوه سكنه عسكرية وأحاطوه من كل جوانبه بقوات خاصة وآليات ، وظل كذلك شهور عديدة بعد يوم الفض ، وفي كل مناسبة لها ارتباط بالثورة والثوار أو أن يعلن مؤيدو الشرعية عن موجة ثورية إلا ويغلق هذا الميدان ولا يستطيع أحد الاقتراب منه أو حتى الصلاة في مسجد محمود ، أخزى الله الانقلاب والانقلابيين .

هذا يوم من أيام الله ? وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ? ، نسيه العباد ، ولكن الله يذكره ولن يضيع حقوق الشهداء ولا الجرحى ولا كل المعتصمين ، فالله هو العدل وهو الحق وهو الجبار المنتقم ، ? وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ? .

في هذه المذبحة نال الشهادة عدد كبير ، وجرح وأصيب عدد أكبر ، وجاهد وناضل عدد أكبر وأكبر ، منهم جميعا من نعرفه ونتذكر اسمه ورسمه ومواقفه المشهودة في هذا اليوم ، ومنهم من لا نعلمه ولا نعلم اسمه ولا نسبه ، وكنت أود لو شرعت في إحصاء الشهداء بالأسماء ـ ولكنى توقفت عندما تذكرت هذا الأثر عن سيدنا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه :ـ

? ذكر ابن كثير في تاريخه ، أن السائب بن الأقرع قدم على عمر بن الخطاب يبشره بنصر المسلمين في معركة نهاوند ، فسأله عمر عن قتلى المسلمين، فعدَّ فلاناً وفلاناً من أعيان الناس وأشرافهم، ثم قال لعمر: وآخرون من أفناد الناس لا يعرفهم أمير المؤمنين فجعل عمر يبكي ويقول: (وما ضرهم ألا يعرفهم أمير المؤمنين؟! لكن الله يعرفهم، وقد أكرمهم بالشهادة، وما يصنعون بمعرفة عمر؟!). ?

فما ضرهم ألا نعرفهم نحن .. أليس الله الواحد الأحد يعلمهم جميعا .. اللهم اجزى كل من شارك في هذا اليوم المشهود بنية خالصة خير الجزاء ، شهيدا حيا كان أو حيا في دنيانا ، وأكرمنا اللهم بنيل الشهادة في سبيلك ثابتين على الحق إلي يوم الدين … اللهم آمين .

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها