أنا الطالب السوري

في الرابعة عشر من عمري كنت طالبا في المرحلة الاعدادية، حينها لم يكن تفكيري يتخطى أكثر من متى ستنتهي الدراسة؟ كانت حياة متكاملة، لم أعتقد أنني في يوم من الأيام سأتحسر على الأيام التي كنت أعيشها في ذلك الوقت من ذلك العمر، كانت سريعة الانتهاء وجميلة الأزمان وزهرة الماضي الذي لا يمكن نسيانه، جميعنا كنا نتمنى  أن نكبر بسرعة عندما كنا صغارا ليس ذلك فقط  فعندما كنا أطفالا كنا ننتظر أن نكبر لنكتب بقلم الحبر لا بالرصاص، كنا ننتظر أن نكبر من أجل أن نلبس البدلة المدرسية بدلا من المريول وهو لباس الطالب في المرحلة الابتدائية، أشياء كثيرة  كنا ننتظر أن نكبر بسرعة لنعيشها ونلمسها في حياتنا، المؤسف أصبحنا اليوم نفتقد تلك الأيام وروعتها، بل بات كل منا  يتـمنى أن يعود صغيرا، همه دروسه وانتظار العطلة وانتهاء المدرسة، لو يعود الزمن للوراء؟

أنا الطالب السوري، أصبحت أخاف من قدوم الغد وما يحمل معه من أقدار، لقد تغير الزمن وتقلبت الأيام واكتست أيامي بالمصاعب والعقبات أضحت أيامي في مضاربة بين الخوف والقلق مما هو قادم وبين ماذا عساي أن أفعل من أجل ذلك المستقبل في هذا الوقت الذي يمضي دون تحقيق مكسب، كيف سأدفن الخوف الذي يغزو داخلي بأعمال تبشرني خيرا وما هي هذه الأعمال؟ لماذا كل هذا؟ وما الذي تغير من ذاك الوقت الى الان؟ ليتها تكون قصة .. إن كانت لسردتها وانتهيت .. لكنها مسيرة من السنوات.. كل ما حصل وما يحصل لم يخطر على عقلي ولم أفكر أنني في يوم من الأيام سأصل لمرحلة أنني سأغترب عن بلادي طوعا ، فكرة لم يكن لها نصيب حتى لأفكر فيها، كنت أتابع تحصيلي العلمي بكل سهولة ودون خوف، كنت أحلم وأرنو في مخيلتي الى أمنياتي التي سأعمل من أجل تحقيقها، سأدرس بتلك الجامعة وأتخصص في المجال الذي أحبه، سأتخرج وأعمل مع تلك المؤسسة التي كان طموحي من صغري أن أعمل بها وأكون ضمن فريقها، وسأبني وأؤسس.. إلخ

لم يحصل كل ذلك كما رتبته في عقلي ولم يكن الحظ حليفا لي، اختلف كل شيء وبدأت السيناريوهات الصعبة، انفجرت الأزمات والحروب، وتدهورت الأوضاع وطال أمد التدهور في ازدياد الأزمات أكثر و أكثر، وهنا شاء القدر وحطت بي الظروف في أحضان الغربة التي كانت أشبه بالجحيم نوعا ما والجميع يعلم ما معنى الغربة وخصوصا منذ الصغر وطوعا، ولكن بالمقابل كانت طريقا جديد وفرصة جديدة لاستكمال ما بنيته في سنين عمري التي انقضت، في نفس الوقت الذي كنت أكرهها بدأت أتعايش معها والذي جعلني كذلك هو الامنيات التي كنت أرغب في تحقيقها، ومرت الأيام  والأسابيع والأشهر وانقضت ولم يتغير شيء ولكن كنت أحمل في داخلي أملاً كبيرا لقد كان الأمل  أكثر شيء يواسيني في مرارة الأيام والأوضاع .

وعندما حظيت بفرصة لأكمل دراستي كانت لحظة انفراج وفرحة أكسبتني مزيدا من القوة والعزيمة، تابعت تحصيلي العلمي، لقد كان هناك تغيير كبير لقد كان أملا وطريقا جديدا تيسر لي، شعرت وقتها بأن ابتلاء الغربة كان خيرا  رغم أنني قضيت وقتا فيها أتخبط بين الألم والشوق وبين هذه الفرصة التي طال انتظارها والأمل الذي لم يخب، صحيح أنني بدأت اتابع دراستي حينها، لكنني لم أنسَ لحظة من لحظات المعاناة التي تذوقتها ولم أنسَ الصبر الذي رزقت به حينها، كنت دائما أتساءل ماذا عن جيل الطلاب في سوريا ماذا عن حالهم وتعليمهم وأمنياتهم لم أنساهم، وأيضا كانت بلادي حاضرة في غربتي وفي ذهني وأينما وجهت وجهي أراها، لقد كان ومازال مخاضا يخنق الروح ويكوي النفس من شدة مرارته .

عندما كنت أتابع دراستي كنت دائما أطالع بعض الكتب ويكون ذلك وقت عودتي الى البيت في الحافلة المدرسية، وذات مرة كنت أقرأ حينها كتابا فجذبتني مقولة صغيرة المؤسف لم أعد أذكر كاتبها إن كان الفيلسوف اليوناني سقراط أم الكاتب المسرحي جورج برنارد شو كان يقول فيها ” الناجحون في هذه الدنيا أناس بحثوا عن الظروف التي يريدونها فاذا لم يجدوا وضعوها بأنفسهم ” قد كانت مقولة تشرح لنفسي بعضا من الحال الذي عشته ابتسمت حينها بفرح وشعرت أنني فعلا حققت شيئا.

وبعد ما انتهيت من التحصيل العلمي وحصلت على شهادة الثانوية العامة رغم أنني قطعت شوطا كبيرا لكنني رأيت نفسي في نفس النقطة التي كنت أقف عندها قبل أن أكمل الدراسة نفس العقبة، هنا كنت قد تعرفت على الحياة أكثر وتعايشت مع المحيط الذي أعيش فيه ولكن توقفت وعدت للبداية، لبداية الخوف والقلق والاحتراق، لم أيأس فورا كنت أفكر وأسأل نفسي كيف سأمهد الطريق لمرحلة الجامعة؟ لأنها مرحلة ليست كالمراحل الماضية بل مرحلة جديدة وأكثر صرامة، عادت لي أفكار الماضي وكنت في مكان أي طالب سوري يعاني هذا العذاب  وقد أكون أفضل من غيري بقليل فالطالب السوري ويله من الأزمات وويله من دراسته وويله من مستقبله المجهول ، كنت وما زلت أحزن بشدة على من لم يكتب له أن يأخذ حقه من التعليم ويبني مستقبله وحسدت نفسي وشكرت ربي على كل حال، ما زلت أحزن، أحزن على نفسي لأني قضيت أكثر من عام ونصف وأنا أبحث عن أي منفذ يدخلني الجامعة، عام ونصف وأنا أراقب تلك المواقع على الانترنت مواقع الجامعات لعلها بشروط سهلة أو منحة تشملني أو أي خبر سار يباغتني بفرحة عارمة كالفرحة الأولى وأكثر، لأن المصاريف الجامعية كبيرة وليست بالمبالغ المعقولة ولم يعد الطلاب السوريون وأنا منهم قادرين على تحمل أعباء دراسة أربع أو خمس سنوات دراسية مع المصاريف الشخصية،  كنت أتحرك يمنة ويسرة أسعى كي أجد منفذا، فالأزمات كان لها تأثير كبير في هذا الدور على الطالب السوري، إن لجأت الى فكرة العمل كي أحقق شيئا مما أريد لن أستطيع هذا إ ن كنت داخل سوريا سأبحث عن كسرة خبز أقيت بها أهلي سأبحث عن الأمان و لن أبحث إلا عن حلم الأمان والعيش بسلام فهذا حال إخوتي في الداخل، أما خارج سوريا لم أستطع تحقيق أمنياتي وكل ما أحلم به عن طريق فكرة العمل، ليس بكل تلك السهولة أن أجد عملا في بلاد الاغتراب فما زلت ناشئا ولا أملك أي مهنة ولا حتى شهادة جامعية، أفكار جعلتني أشعر بالأسى قليلا ولكن لم أيأس وأبتئس وما زلت متماسكا وصلبا ولم ولن أسمح لنفسي بالضعف والوهن  الإحباط، وما زلت أرى بصيصا من الأمل ولن أجعله يتلاشى، ومن الأشياء التي تجعلني متماسكا هو ما يعايشه الطلاب ممن يتساوون معي في العمر وأكبر وأصغر مني في سوريا الذين لم يكتب لهم أو لم يستطيعوا السفر خارج سوريا وبأني لست الوحيد بهذه العقبة الكبيرة، وكما كنت حزينا على مستقبلي كنت حزينا على مستقبلهم التي تلتهمه الحروب والأزمات.

أنا الطالب السوري الذي باتت الغربة بيتي والألم والمعاناة حياتي ومع كل بزوغ فجر جديد سيتجدد الأمل بداخلي ولن أحيد عن التخطيط لكل هدف ولن أتخاذل عن المتابعة والعمل بكل الطرق وأحاول بكل فرصة متاحة كي أحقق أهدافي رغم كل ما يواجهني من أزمات وعقبات ولن يفوز في اجتياز الظروف العصيبة والأزمات إلا من كانت عنده القدرة على التحمل فهو بحد ذاته سيكون قادرا على الفوز، فما زلت أملك قناعة تامة بأنه بعد كل هذا العذاب والأسى الذي يعيشه الطالب السوري سيكون له نصيب من النجاح، فأنا أحد  هؤلاء الطلاب، فلقد كسرت قيودي بالتكيف مع كل شيء مر ويمر في حياتي ولن أسمح لنفسي بأن أشعر بأني مجرد ضحية  فأنا راض عن نفسي ويبقى الخير فيما اختاره الله .

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها