أصعب تحد أمام الجزيرة!

الجزيرة منذ انطلاقها وهي تحظى بأعلى معدلات مشاهدة في جميع الدول العربية، ووصلت بجميع منصاتها و قنواتها وخاصة الجزيرة مباشر إلى مستويات مشاهدة غير مسبوقة مع بداية ثورات الربيع العربي

ولكن …. في  مطلع عام ٢٠١٣ تقريبا أو قبل ذلك بقليل، كنت استشعر بعض التراجع في نسب المشاهدة ..  وكان رأيي أن أهم سبب لهذا التراجع هو الانفتاح الذي شهدته القنوات المحلية… مطالب إغلاق شبكة الجزيرة ذكرتني بهذا الموضوع .

بالعودة قليلا إلى فترة نشاط الربيع العربي. لنذكر كيف كان العالم العربي يمضي في طريق التحول الديمقراطي.. سقف الحرية ارتفع كثيرا .. تعددت الأحزاب السياسية وظهرت وجوه شبابية تعمل على أحزاب جديدة تريد العمل في الشارع والاقتراب أكثر من هموم المواطن.. تنوعت الرؤي والبرامج السياسية والاقتصادية لحل مشكلات الوطن، كل حزب وكل مجموعة لها منصة إعلامية تروج أفكارها كما تسعى للظهور في وسائل الإعلام لتدافع عن نفسها أمام الانتقادات وتقدم أفكارها وحلولها للجمهور.. الجميع موجود ويقدم نفسه للناس من خلال وسائل الإعلام المحلية .. الجميع يشارك ويتنافس .. إسلاميون ويساريون وليبراليون ،محافظون و علمانيون وحتى الملحدين كانوا يظهرون على الشاشات.

القنوات المحلية في كل بلد من بلدان الربيع قدمت منابرها لرموز المعارضة الذين كانوا محظورين في السابق وكانت استضافة الجزيرة لهم تعد سبقا لم يجرؤ عليه أحد واعتاد الجمهور مشاهدتهم على الشاشات المحلية وسماع آرائهم في الأحداث.

كانت البرامج التليفزيونية ساحات مفتوحة للمعارك بين المختلفين على غرار الاتجاه المعاكس ، معارك أسلحتها القرائن والبراهين التي تعزز وجهة نظر كل فريق لإقناع الناس. أصوات الأقليات كانت مسموعة بوضوح ومطالبهم كانت حاضرة بقوة، الأفكار البناءة كانت تشع أملا تماما كما كان النقد البناء الذي يهدف للمنافسة لا للإقصاء.

تقريبا اقتبست كل البرامج في القنوات المحلية فكرة الجزيرة مباشر في تقديم منبر للمواطن  ليعرض شكواه ويبدي رأيه.

تقريبا اقتبست كل البرامج في القنوات المحلية فكرة الجزيرة مباشر في تقديم منبر للمواطن  ليعرض شكواه ويبدي رأيه.

كثير من الإعلاميين العرب المغتربين بدأوا التفكير في العودة لأوطانهم ومشاركة الناس في هذا التحول الديمقراطي من خلال شاشات محلية أكثر مهنية .

إلى حد كبير كاد الأمر أن يتحول من إعلام الحكومات إلى اهتمام فعلي بمشاكل المواطن و عرض أراء مكونات المجتمع المختلفة في كل حدث.

 

كان هذا واقعا ملموسا بالرغم من أن  قوى الظلام التي أرادت أن تطفئ نور الحرية استغلت هذه الحالة لأغراضها الخبيثة بالانقضاض على حق الشعوب في الحرية والاختيار والتنافس على السلطة بعيدا عن فرض الأمر الواقع بقوة السلاح.

ومن هنا كادت الجزيرة أن تجد نفسها أمام منافسين أقوياء من الممكن أن يتفوقوا عليها في ميدان التنافس المهني، وأعتقد أن هذا كان أصعب تحدي واجه الجزيرة أما مطالب الإغلاق والحجب فقد أعادها إلى أفضل حالاتها من حيث المشاهدة والقرب من المشاهدين.

قد تكون الجزيرة ليست مثالية، لكنها هي الأقرب إلى المواطن العربي و هي الأعلى سقفا للحرية وهي الأكثر انفتاحا على جميع الاتجاهات السياسية

قد تكون الجزيرة ليست مثالية، لكنها هي الأقرب إلى المواطن العربي و هي الأعلى سقفا للحرية وهي الأكثر انفتاحا على جميع الاتجاهات السياسية والآن فإن مطلب إغلاق الجزيرة يبدو طبيعيا في مرحلة الثورة المضادة التي يقودها مستبدون يريدون الناس ألا يسمعوا إلا صوتا واحدا وبلا أي رد. لأنهم أصلا لا يعترفون بحرية الصحافة.. لا يطيقون المنافسة بل احتكار كل شيء حتى الكلمة.  

ومع أن الجزيرة تتميز بإمكاناتها البشرية والتقنية إلا أن أهم نقاط قوتها هو سقف حريتها الذي يُظهر اهتماما بالمواطن ومشاكله ومشاعره و يسمح بنقد السلطة وإعطاء مساحات لآراء مختلفة وهذا ما أكده الأمير الوليد بن طلال عندما اعتبر الجزيرة قناة الشعوب.

الوصفة السحرية والمستحيلة في نفس الوقت لمنافسة الجزيرة والتفوق عليها هي تقديم إعلام يفوقها حرية وتعددية وكان الربيع العربي يمضي في هذا الطريق ، ولكن للأسف سرعان ما انطفأ نور الحرية وحل ظلام الاستبداد مجددا وبقوة متجبرة لتعود الجزيرة وحدها نجمة مضيئة في فضاء دامس الظلام.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها