أسماء خليفة: نعم للموت رائحة

اليوم وكما كل يوم تبيت أسرةٌ تلبس ثوب الحداد، تذرف الدموع على وليد وربما عائلها الأوحد، الذي سعى مئات الكيلومترات من أجل قليل مال لم يجده بجوار أسرته.يتبع

الحادية عشرة ليلاً، ملك الموت هنا كل ليلة، وربما في بعض من صباح أحد الأيام، الطرق متهالكة ، أماكن انتظار لحافلات المواصلات  غير آمنة للمشاة، دراجات نارية تسير على أقصى يمين الطريق لكنها لا تسلم من تهور بعض سائقي السيارات …

اليوم وكما كل يوم تبيت أسرةٌ تلبس ثوب الحداد، تذرف الدموع على وليد وربما عائلها الأوحد، الذي سعى مئات الكيلومترات من أجل قليل مال لم يجده بجوار أسرته، وربما كان هارباً من قدره هناك ليلقاه هنا..

شاب أسمر، أشعث أجعد الشعر، رثٌ تربُ الثياب، لتر من الدماء ربما على أقل تقدير يسيل مجاوراً لرأسه لا بل ينساب مع ميل الطريق، ليس بالمشهد الأول الذي يتكرر أمام ناظري، بل أصبح معتاداً ويومياً في أحيان كثيرة ، لكن يا ترى ما العجلة التي استدعت ذلك الشاب للعبور أمام سيارات لا تقل سرعة أحدها عن 120 كيلومتراً في الساعة الواحدة ، ولم لم يتخذ الطريق الأكثر أمناً بالعبور من أسفل “الكوبري” ..

في مصر وربما في الغالبية العظمى من الدول العربية المتسمة بالمركزية المطلقة تتمركز الأعمال التي ترتقى الى مستوى الإنسانية في العمل في عواصمها، تجبر العواصم أبناء الأقاليم والريف على النزوح اليها، غير أبهين بما هو أسوأ، ربما لم يدرك البعض لضحالة تعليمه أن طرقات القاهرة لا يمكن عبورها سيراً على الأقدام، وأن تلك ليست طرقات قريته أو مدينته الصغيرة التي اعتاد على عبور طرقاتها طيلة حياته..

اليوم وكل يوم يكون ملك الموت بالجوار، اليوم لأول مرة أشعر أن للموت رائحة، ربما اختلاف المشهد المتكرر عن مشهد الدراجات النارية المنقلبة على قارعة الطريق وأصحابها الذين فارقوا الحياة، فهؤلاء في كثير من الأحيان لا نخليهم المسؤولية حيث أنهم قائدوا مركبات كمن اصطدم بها ، أما المترجلون فهل هم المخطئون ببعض تصرفاتهم غير المحسوبة؟ أم أن قائدي المركبات هم المسؤولون؟ والى متى تظل طرقاتنا تنزف دماءً؟ ولماذا يظل البحث عن حياة رغيدة تكتب سطورها بالروح والدم؟

 أسماء خليفة

مدونة مصرية

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها