أحمد رامى يكتب: خططنا لإخلاء الميدان قبل الفض (1-2)

غريزة الامومة تدفعها للوصول لابنتها لإنقاذها فما كان من الجندي إلا أن أوقفها مسددا فوهة بندقيته لها فأغمضت عينيها وظلت تنطق بالشهادتين دون أن ترجع خطوة واحدة للوراء. يتبع

  جانب من اعتصام رابعة

ليلة الفض كنت معتصما بالميدان ومعي أبنائي وزوجتي، وعقب الانتهاء من صلاة الفجر، توجهنا للمنزل لتغيير الملابس وأخذ قسط من الراحة.

فور وصولي للمنزل سارعت بفتح التليفزيون لأتابع ما يدور بالميدان حيث شهدت الـ48 ساعة السابقة على الفض تواتر معلومات من المستشفيات القريبة من الميدان بحالة طوارئ، وإخلاء أكبر عدد من الأسرة،  كما تلقيت مكالمة من صديق علم من أحد ضباط الشرطة بتجمع قوات خاصة من محافظات غير القاهرة، وأنهم أبلغوا بأن لديهم مأمورية في القاهرة .

في المقابل كان المسؤولون عن المعتصمين قد انتهوا من إعداد خطة لإخلاء الميدان، حال اضطروا لذلك على أن يتم إخلاء النساء والاطفال أولا يتبعهم كبار السن ثم الشباب ولم يتم تعميم هذا الامر على عموم المعتصمين وقد كان مرتبا أن يكون الإخلاء من الممر فيما بين دار المناسبات الخاصة بالمسجد وببن إدارة مرور رابعة إلى شارع أنور المفتي ليتم على الفور نقل الاعتصام لمكان أخر أمام السراج مول بمدينة نصر. 

إلا أن سبب عدم التمكن من تنفيذ هذه الخطة أمران ، لأن هجوم القوات المكلفة بالفض بدأ من ذات المسار الذى كان مرتبا إخلاء المعتصمين منه, وكانت هناك  سيارة بث , لدى القوات رغبة في تدميرها قبيل الاقتحام حنى تتم تصفية المعتصمين بعيدا عن أعين الكاميرات.

وعدم وجود أي ممر يُسمح فيه بالخروج بل و لقد رأيت بعيني رأسي منع سيارات الاسعاف من الدخول من اتجاه شارع الطيران لإسعاف المصابين و هو ما يفسر ارتفاع خالات الوفيات اغلبهم كان بإصابات بسيطة لم يتمكن الأطباء من السيطرة على حالات النزيف,  وكذلك منع دخول سيارات الاسعاف لنقل المصابين .

نزلت من بيتي مسرعا، واتجهت لميدان رابعة ابحث عن مدخلا من أي من الاتجاهات المطلة على الميدان، وكان تحركي ما بين ميدان الساعة في أول عباس العقاد، وما بين ش الطيران امام مستشفى التأمين الصحي ولم أستطع الاقتراب أكثر من ذلك

.

عندما وصلت تركت سيارتي بعيدا في طريق النصر، وأمام قسم مدينة نصر ووجدت أحد ضباط الشرطة حديثي التخرج ربما نقيب يلبس صدري واق و يحمل سلاحا ( طبنجة ميري ) يتجه مسرعا لميدان الساعة أيضا. 

وصلت للميدان فاستوقفني ومنع مرورى للميدان الذي طوق من قوات الجيش،  وكلما كانت الاعداد تزداد أمامه كان يقوم بتفريقها بإطلاق الرصاص الحى في اتجاهها دون أن يصيب المعتصمين ، وكان الأهالي الذين أتوا لنجدة أبنائهم يتراجعون حينا ويعودون حينا أخر للاقتراب مجددا من حاجز الجيش، ومع مرور الوقت رأيت مشهدا اذهلني 

رأيت الطائرات التي تحلق فوق الميدان تطلق قذائف,  أدت إلى احتراق الخيم و المسجد، وعلمت ممن حولي أن هناك جثثا احترقت , وكانت لمن سقطوا في الصفوف الأولى، 

أصابني الذهول لأنى خدمت في حيش بلادي ولم أكن أتخيل أن أرى هذا المشهد أبدا .. هذا المشهد الذي لن انساه ما حييت. 

ووجدتني اتصل بعدد من الاقارب و الاصدقاء ولا أقول لهم إلا جملة واحدة “الجيش بيحرق جثثنا”-من بين من اتصلت بهم د. رباب المهدى(أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الامريكية( لا أدرى لماذا وزملاء لي من أعضاء مجلس نقابة الصيادلة وبعض أقاربي.

ثم انتقلت لمحاولة دخول الميدان من اتجاه شارع الطيران، ظللت اتحين لحظة للدخول ولقد رأيت عددا من مراسلي الصحف الأجنبية يتم منعهم من الدخول للتغطية.

ثم كان أن رأيت مشهدا استحضرته ذاكرتي من فلسطين . نعم من فلسطين، إنه ذات المشهد في هذه الصورة رأيته بعين رأسي ..لم أره على شاشة تليفزيون ولكن رأيته في شارع الطيران أمام مستشفى التأمين الصحي يوم الفض . 

ولم يكن هناك اختلاف سوى لون زي الجندي المصري فقد كان اسود,  و قد كان واقفا غير متكأ على قدميه كالجندي الصهيوني في هذه الصورة 

وكان ذلك حينما حاولت امرأة الاقتراب من ميدان رابعة من شارع الطيران لتصل إلى ابنتها المعتصمة بالميدان وهى على بعد  كيلو متر واحد ,  وكانت القوات تمطرها بقنابل الغاز.

إلا ان غريزة الامومة كانت تدفعها للوصول لابنتها لإنقاذها فما كان من الجندي المصري إلا أن أوقفها مسددا فوهة بندقيته لها فأغمضت عينيها وظلت تنطق بالشهادتين دون أن تتراجع خطوة واحدة للوراء

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها