أبوبكر مشالي يكتب: لماذا تعثر الإخوان بينما تقدمت حماس؟

لا شك في أن الإطار الذي تنطلق منه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في ممارساتها الإعلامية يختلف عن جماعة الإخوان المسلمين، وإن كانت الفكرة واحدة. يتبع.

 

ثمة تباينات واضحة في الأداء الإعلامي للفاعلين السياسيين علي الساحة اليوم, تباين في الاستراتيجية والخلفية الفكرية، ورهانات كل طيف على حِدة في سياق الحرب النفسية التي يخوضها كل منهم ضد خصومه عبر منصاته الإعلامية المتنوعة.

فالكل يبحث عن المزيد من الأوعية الدعائية التي يمكنها أن تحمل فكرته لغةً ونصاً وصورةً؛ لتكون عنواناً له كي يبقي خطابه حاشداً ومهيمناً.

لا شك في أن الإطار الذي تنطلق منه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في ممارساتها الإعلامية يختلف عن جماعة الإخوان المسلمين، وإن كانت الفكرة واحدة, فخصوم حماس ليسوا كخصوم الإخوان، وعنوان المعركة ليس واحداً، فثمة أبعاد جيوسياسية تحكم أداء كل منهما, ولا يخفي على أحد أن إعلام حماس حظي بتطور ملحوظ في الآونة الأخيرة برغم ظروف الحرب، فبعد أن كان مجرد كتابة علي الحائط بالشوارع ومجلات الحائط بالمساجد أصبح اليوم يؤثر في الرأي العام العالمي، والإسرائيلي كما ظهر في الحرب الأخيرة.

إعلام الحركة لعب دوراً في مواجهة الاحتلال عبر مضامينه الإعلامية المختلفة, فكان لكل جناح رسائله التي تخصه. كانت رسالة واحدة من كتائب القسام كفيلة ببث الرعب في إسرائيل, والتي بالطبع تختلف عن رسائل السياسي, برغم أن ثمة رهانات خاسرة للحركة, فإن الاعلام كان ظهيراً قوياً لها وإضافة لرصيدها, هذه النقطة بالذات هي ما تميز حماس عن الإخوان، فليس ثمة مضامين إعلاميه قوية ومرنة وحاشدة عند رموز الإخوان -علي كثرتهم – كما يفعل “خالد مشعل” ورفاقه.

يفوتك أن تعرف أن معظم رموز الإخوان أصبحوا فقهاء سياسيين وخبراء إعلاميين، حتى شيوخهم أصبحوا ساسة ومتحدثين ولا تسألني كيف ولماذا؟ ولا تسألني لماذا فتحوا أكثر من قناة للغرض نفسه “إسقاط الانقلاب” ولا تسأل لماذا لم يفتحوا قناة واحدة تركز على تعريف العالم بدعوة الإخوان الربانية من دون أن تتعرض للانقلاب أو يشوبها خبث السياسة, بدلاً من أن يتعرف العالم علي الإخوان من قنوات الخصم.

ومع هذه الصبغة السياسية التي بُليَت بها الجماعة، لن تجد مضامين إعلامية لائقة ترقى لمستوى الأحداث وتناسب عدالة القضية التي يضحي في سبيلها الآلاف. على الأغلب ليس هناك سوي التصعيد غير المحسوب, ضيق الأفق, التغريد خارج السرب, استعداء الغير والغموض المتعمد في التصريحات، والذي لا ندري أهو من قلة المعلومات المتوفرة أم من فقر التحليل والرؤية أم لحنكة سياسية ودهاء لا سمح الله؟ الله أعلم.

حين نتحدث عن إعلام الشباب والذي يبدو جلياً في الفضاء الإلكتروني نجد فارقاً كبيراً في الممارسات بين شباب الحركة والإخوان, فلدى الإخوان رموز شابة لا تُحصَى ولا تُعَد, بعضهم صنعته الأحداث أو جاءت به الصدفة, ليس هذا فقط بل تحول بعضهم من كونهم “دعاة” إلى “قطاع طرق” كما يصفهم “عبدالله عزام” بعد أن تخلوا عن سمتهم وخلقهم القويم, فعمدوا إلى التراشق بالألفاظ مع خصومهم وترويج الشائعات من دون بيّنة والخوض في أعراض الغير, فعلي ما يبدو لم تعد ثم حاجة لصفات قديمة كهذه “متين الخلق, مثقف الفكر” التي وضعها الإمام البنا, فثم صفات جديدة استحدثوها برخصة أن “الجهر بالسوء من القول ليس عيباً حين تكون مظلوماً” بل هو واجب المرحلة وأمارة الصدق مع الثورة، حتى إن بعض الأخوات أيضاً لم يجدن حرجاً في التعاطي مع هذه الممارسات, فقد أرهقوا الحق الذي يحملونه بالقبح الذي يمارسونه.

امتدت هذه الممارسات أيضاً إلى الداخل حد التجريح على مواقع التواصل بين فريقي/ مكتبي “السلمية والعمل النوعي” وهذا الفعل لن يخدم لا هؤلاء ولا هؤلاء، والاثنان علي خطأ – في الممارسة – لن يفعلا شيئاً صائباً أبداً, فكل ما تعانيه الجماعة اليوم يحتمل أن يكون عقاباً بنفس القدر الذي يحتمل به أن يكون ابتلاءً, وسنة التدافع باقية, غفر الله لنا ولهم و ألهمهم الرشد والصواب في قراراتهم.

أما شباب حماس فأنتم أدرى بهم مني, هم ليسوا ملائكة بالتأكيد, لكن سلوكهم متزن ونقدهم لا يتجاوز حدود اللياقة, فقد مرت الحركة بأسوأ مما تعيشه الجماعة الآن, وبعضكم ربما سمع يوماً عن اختلاف أو خلاف بين مشعل والزهار بسبب تباين آرائهما, وأنا أعلم ما تنطوي عليه نفوس شبابها، فكثيراً ما تناقشنا في وضع غزة وكلهم يكظم غيظه, لا يدخلون معركة إلا اذا كانت من اختيارهم، ولا يستدرجهم الخصم لمواجهات جانبية, لم يستجلبوا العداوات، ولم يستهلكوا طاقاتهم في المماحكات, لم يحرقوا المراحل وقدَّروا الأولويات بقدرها, لا أحد منهم تطرف في ردة فعله أو أودت به حماسته إلى مكان أبعد مما يجب أن يكون عليه سلوكياً وحركيا, كلنا يعلم الاختبار الصعب الذي مرت به الحركة عامي 2006 و2007 من “انتخابات و اتفاقات وحسم” كانت مثار جدل عند الكثير, منهم من أيدها ومنهم من رفضها, لكنهم تخطوها جميعاً بحكمة.

هَب أن ألفاً من الاخوان قد انضموا للجماعة بدافع تزكية النفس والدعوة إلى الله والسعي في أعمال البر, كيف لرموز الجماعة الآن -الذين كانوا سبباً في انضمام هذا الألف- عبر دعوات فردية وغيرها, كيف لهم أن يقنعوا هؤلاء بسمو أهدافهم ونزاهة وسائلهم وربانية دعوتهم؟

صحيح أن جماعة الإخوان تعطي من نفسها الدرس للأمة والجيل القادم بتضحياتها ومقاومتها للاستبداد وتحملها للظلم منذ عقود, لكن ليحذر الداعية أن يراه المدعو علي خلاف ما يدعو, إن كنتم لا تستطيعون إحراز تقدم سياسي ولا تطور في الخطاب الإعلامي فلا تخسروا رصيدكم الاخلاقي عند المجتمع, ففكرتكم أصيلة وغايتكم سامية وتضحياتكم عظيمة, ولا يليق أبداً أن يكون كل مَن اختلف معكم مشروعاً لخصم يجب تخوينه حتى وإن ظل على عهد الثورة والفكرة, هذه الممارسات غير المُبَرَرة تفسد أكثر مما تصلح، ولن تخدم الثورة التي سيأتي يوماً وتنتهي, ولن تفيد الجماعة التي دائماً ما كانت تتمتع بجاذبية روحية وقوة دعوية خالصة, والله أدعو أن يوثق رابطتكم ويشرح صدوركم بفيض الإيمان به وجميل التوكل عليه.

أبو بكر مشالي
مدون ومهندس مصري

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها