أبو بكر مشالي يكتب: لماذا يفكر البعض في الإلحاد؟

نحن لسنا حديثي عهد بالإلحاد وما من عصر إلا وكان به ملحدون, فنسبة الملحدين في العصر العباسي و الأندلسي تفوق ملحدي هذا العصر. يتبع

نختلف فيما بيننا علي الأسباب التي قد تدفع البعض للتفكير في الإلحاد, لكن تبقي هذه الظاهرة معقدة للحد الذي لا يسمح لأحد بأن يجزم بأن عاملا ما هو الدافع الوحيد لانتشارها, فثمة عوامل اجتماعية و نفسية و فكرية تتداخل فيما بينها تدفع الشخص بالنهاية إلي أن يفكر في الالحاد.

بعضنا قد يعزو هذه الظاهرة إلي “التطرف و العنف” الذي يُمارَس باسم الدين فجاء الإلحاد كردة فعل نفسية على هذه التصرفات, والبعض يعزوه إلى “تشويه الدين” في الصراعات السياسية فجاء الإلحاد كنتيجة علي هذا التشويه من أناس أخذوا موقفاً من الدين نفسه بدلاً من الطعن في السياسة, و البعض الآخر بدافع الكسل الذهني قد يعزوها إلى “غواية ابليس”, “قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين”.

لكنني أتجاوز كل هذي الاحتمالات متهماً نفسي بالسخافة لأنني سألت سؤالاً كهذا, فنحن حين نشرع في التعامل مع الإلحاد على أنه ظاهرة غريبة لم نتعرض لها من قبل سيكون ذلك تشخيصاً خاطئاً ربما يزيد من تعقيد المشكلة ولن يوصلنا إلى نتيجة منطقية, لأن الإلحاد هو حالة اللا إيمان والتي قد يمر بها كل واحد منا في مرحلة ما, بعضنا يذهب بعيداً فيها و يستسلم, و البعض الآخر تقوّمه نفسه و تعوزه ذاته القوية فيعود”.

هذه العودة تكون مرهونة بمدي ما يتمتع به الشخص من رصيد إيماني, و ربما هذا الأمر هو ما دفع “الفيلسوف الدكتور عبدالرحمن بدوي” مؤلف كتاب “من تاريخ الإلحاد في الإسلام” لأن يُعَرَّف الإلحاد علي أنه “النتيجة اللازمة لحالة النفس التي استنفدت كل إمكانياتها الدينية، فلم يعد في وسعها بعد أن تؤمن”.

إذاً نحن لسنا حديثي عهد بالإلحاد وما من عصر إلا وكان له ملحدين, فنسبة الملحدين في العصر العباسي و الأندلسي تفوق نسبة ملحدي هذا العصر, فالإلحاد ليس مجرد ردة فعل علي الحروب القائمة اليوم, فالدين ليس هو سبب الحروب كما يدّعي كبير الملحدين ريتشارد دوكينز “إن خطورة الأديان في تمييزها بين البشر على مبدأ “نحن” و “هم” كما ينصّ على أن “انعدام الأديان و زوالها سيعزز و بشكل كبير فرص انتهاء الحروب” هذه الفرضية عاريه تماماً من الصحة لأن الحروب عادة ما تنشأ بسبب خلاف سياسي أو لهدف اقتصادي ولم يشترك العنصر الديني سوي في 7% فقط منها طبقاً لما نشرته موسوعة الحروب.

 

الأسباب التي تحرّض البعض علي التفكير في الإلحاد

اليقينية الساذجة و كثرة المُسَلَّمات: لو فرضنا جدلاً أن أحد الآباء ربّي ابنه علي أن “أمرا ما” مقدس و يقينا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه و كَبِر ابنه وأصبح شاباً و بدأ يبحث ويسأل إلى أن وصل في النهاية أن هذا “الأمر” محل خلاف بين العلماء, سيشعر بأنه تمت خديعته و سيكفر بكل ما سبق وإن تربي عليه, وهذه أول شرارة ربما تنتهي بالشخص إلي الإلحاد.

الكبت الفكري بالتخويف والتعنيف: حين يأتيك أحد الشباب بكل طاقته ليعرض عليك سؤالاً قد شغل باله ولم يجد له جواباً بعد أن أتعبه البحث, ثم باغته أنت بالتعنيف و القمع كعقاب له علي سؤاله, و اكتفيت بتوجيه موعظة له, يفوتك أن تعرف أن الوعظ في مثل هذه المواقف لا يُعَوَل عليه, لأن الشاب حين جاء إليك بسؤاله لم يكن يسأل عن كيفية الاغتسال من الجنابة, بل كان يريد منك حوار عقل لا أسلوب وعظ و دروشه, وهذه من وجهة نظري أخطر الأمور التي تدفع البعض و منهم أبناء الحركة الاسلامية تدريجياً للإلحاد.

العداء باسم الدين: المسؤول الأول و الأخير عن ذلك هو الخطاب الديني المتطرف و المحرِّض علي كره الغير بسبب ديانته وهذا ليس من ديننا فربنا يقول “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين” و البر أعلى درجات الوِد و إن كان الإسلام يبيح للمسلم أن يتزوج من نصرانية فمن باب أولي يحرِّم عليه التحريض علي ديانتها, فلا إكراه في الدين.

خطورة هذه المشكلة أنها تجعل الشخص يري الدين لا إنسانياً يحرّضه علي كراهية غيره, فضلاً عن أن علماء الدين و الوعاظ الذين يزدادون متعة كلما زادت دائرة الحرام يحولون حياة الناس إلى جحيم مما يدفعهم للهروب من هذه الحياة باتجاه أي شيء حتى لو آمنوا بقوة المادية الغربية علي حساب دينهم.

الوعي المعرفي المُفرِط: يصل بالشخص إلى الزهو بالذات، الأمر الذي يجعله يؤمن بألوهية رأيه وعصمته عن الخطأ ومِن ثَم عدم حاجته إلى الدين بل والطعن في أصوله , وهذا الأمر تصاعدي يبدأ بالغرور و الانحراف في التفكير ثم ينتهي بالتفكير في الإلحاد.

أخيراً.. “تقليعة الإلحاد” أسميها تقليعة لأنها أصبحت موضة تأتي في صورتين: إما أن يكون الشخص محباً للظهور و الاستعراض فيتجه للإلحاد كي يجمع أنظار الناس حوله, و إما أن يكون مُنفلتاً فيري في الإلحاد مخرج طوارئ آمن يتيح له فعل أي شيء محرم دون أن يواجه لوماً من الأخرين.

كل هذه الأسباب التي تم سردها لا يمكن أن نعتبرها أعذاراً للملحدين فكل رهاناتهم خاسرة, أنا ضد كل شخص هانت عليه نفسه فبدلاً من أن يكرمها أهانها و ألحد, و رغم ضعف حجتهم إلا أنه يجيب علينا أن نسمع منهم و نحاول العثور علي إجابات منطقية لأسئلتهم و مَن لم يستطع يسعه أن يصمت ولا يفتي بغير علم خاصة في الأسئلة التي تتعلق بمسائل العقيدة و غيرها, يسعك أن توفر له عالماً يرد عليه بالحجة و يحاوره بالعقل … ثبتنا الله و إياكم.

 

أبو بكر مشالي
مهندس ومدون مصري

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها