أبو بكر مشالي يكتب: كعكة اليتيم بوتين

هذا هو حال السيسي في مصر و بشار في سوريا ، نظامان آيلان للسقوط ، و رغم ما يعتريهما من خيبة و عار قرر بوتين دعمهما . . يتبع

أبو بكر مشالي

ما الذي يمكن أن يخسره مَن تَعَري جسده بالكامل؟!

أو بمعني آخر ،، ما الذي تبقي عليه كي ينزعه؟!

هذا هو حال السيسي في مصر و بشار في سوريا  ، نظامان آيلان للسقوط  ، كلاهما حمل مقومات فشله منذ البداية ، و رغم ما يعتريهما من خيبة و عار قرر بوتين دعمهما ، ولا أدري ما الذي دفع هذا الرجل اليتيم لهذه المخاطرة غير المحسوبة،  وأعني غير المحسوبة بكل ما تعنيه الكلمة من معني ، فمنذ متي و الروسي يدرك عواقب ما يفعل ؟! ثور هائج لا يوقفه شيء وكلما طغي زاد طغيانه أكثر ، لكنها شهوة النفوذ والسيطرة التي تتسابق موسكو و واشنطن علي الفوز بهما ، كلاهما يسعي لحصد النصيب الأكبر من الكعكة بجانب سباق التسلح الأبدي بينهما.

هذا هو حال السيسي في مصر و بشار في سوريا  ، نظامان آيلان للسقوط  ، كلاهما حمل مقومات فشله منذ البداية ، و رغم ما يعتريهما من خيبة و عار قرر بوتين دعمهما

لكن ثمة واقعا جديدا جاءت به ثورات الربيع العربي وما تلتها من أحداث و تقلبات ، فبرز لاعبون جدد في مربع الصراع ، و هذا تطور طبيعي و مناسب جداً نستطيع أن نفهمه في سياق التحول الدراماتيكي كردة فعل علي القمع والظلم ، فحين قرر العالم أن يكون البقاء للأقوى و الأكثر دموية و إجراماً و وحشية ، دخل لاعبون جُدد كتنظيم الدولة و غيره من الحركات التي تسمي نفسها جهادية و تحمل راية إسلامية ،  قلبوا الطاولة علي الغرب فأحدثوا ارتباكاً في موازين القوي ، صحيح أنني لا أؤمن بهم لكن علينا أن نعترف أنهم قادرون علي إحداث الفارق و نقل الحرب خارج سوريا.

فمنذ زمن ليس ببعيد كانت واشنطن و موسكو يتعاملان مع مشروعهما للفوضى كما يتعامل الطباخ مع طبخته ، يتركها تغلي علي نيران هادئة ثم يتدخل بملعقته لتقليب المكونات فإن احترقت فهي في بيت الغير ولا يضيره شيء ، و إن استوت فهو أول من يلتهمها بدعوي حفظ الأمن و محاربة الإرهاب دون أن تتكلف الإدارة الأمريكية أي ثمن ، تصنع واشنطن الأزمات و تستثمر ردود الفعل تجاهها ، لكن اليوم لم تعد الطبخة متاحة لا للأمريكان ولا للروس ، لم يعد ثمة زعيم واحد علي مسرح الأحداث ، هناك ثمن كبير لابد أن يدفعه كل منهما.

فمنذ زمن ليس ببعيد كانت واشنطن و موسكو يتعاملان مع مشروعهما للفوضى كما يتعامل الطباخ مع طبخته ، يتركها تغلي علي نيران هادئة ثم يتدخل بملعقته لتقليب المكونات فإن احترقت فهي في بيت الغير ولا يضيرنا شيء

اليوم كما يُقال إن بوتين عالق بين طائرتين الأولي أُسقطت بفعل فاعل علي أرض مصرية والثانية أسقطت في منطقة حدودية تركية مع سوريا,ولا تملك روسيا أية خيارات للرد عسكرياً ، و سياسياً ليس هناك تعاون ، فليس أمام بوتين سوي العقوبة الاقتصادية فهناك حركة تجارة بين أنقرة و موسكو تُقدَر بواحد و ثلاثين مليار دولار ، ولا أظن أن روسيا لديها القدرة علي التصعيد في هذا الاتجاه ، صحيح أن أكثر من نصف احتياج تركيا من الغاز يأتيها من روسيا ، لكن هناك أيضاً احتياجات تُقَدَّر بقرابة 25 مليار دولار تستوردها روسيا من تركيا.

 

صورة توضح حركة التجارة بين تركيا و روسيا

تورطت روسيا في سوريا بنفس الطريقة التي تورطت بها في أفغانستان ، فالاتحاد السوفيتي في أواخر السبعينيات أرسل خبراء روس إلي أفغانستان و في أوائل الثمانينيات أصبح لديه آلاف الجنود هناك ، الأمر الذي أدي الي انخراطهم في حرب ضروس ضد الأفغان و خرجوا منها بهزيمة قضت علي أسطورة الجمهورية الاشتراكية.

الأمر نفسه حدث اليوم في روسيا فليست هناك إحصائيات بعدد الخبراء و القوات و المقاتلات الروسية الموجودة علي أرض سوريا ، فضلاً عن السفن التي  تقبع بكثافة في الموانئ السورية  ، وكلنا يفهم هذا الدعم اللامحدود الذي تقدمه موسكو مباشرة الي دمشق فروسيا ليس لها أي قاعدة بحرية في البحر المتوسط سوي التي تقبع هناك في ميناء طرطوس والتي تمثل التواجد الروسي الوحيد في المنطقة والذي يسعي بوتين للحفاظ عليه و مده مهما كان الثمن.

إذاً بوتين يدافع عن نفوذه و يُعضد تواجده في المنطقة بدعمه المباشر للأسد لأن سقوطه يعني خصما من رصيد روسيا في المنطقة

إذاً بوتين يدافع عن نفوذه و يُعضد تواجده في المنطقة بدعمه المباشر للأسد لأن سقوطه يعني خصما من رصيد روسيا في المنطقة ، علي جانب آخر لم تحسم الإدارة الأمريكية أمرها من الأزمة السورية فقد  صرح أوباما ” بأن بشار الأسد عليه أن يرحل عن سُدة الحُكم في سوريا” لكن لم يفسر لنا كيف سيرحل ولم يفعل شيئاً علي الأرض يعزز تصريحاته و يثبت صدق نيته في ذلك ، وعلي النقيض بوتين الذي دائماً ما يستعيض عن الكلام بالأفعال مازال يقدم دعمه الكامل في سوريا ما استطاع الي ذلك سبيلا ، و هذا هو التباين الواضح في التعامل مع الملف السوري بين موسكو و واشنطن التي أصبحت تتردد كثيراً.

صورة توضح مدي اعتمادية تركيا على الغاز الروسي

نعم حدد بوتين أهدافه بجانب الأسد و السيسي لكنه سيبقي يتيماً ، ولا أدري كم من الجنود الروس الذين يجب أن يضحي بهم في سبيل الإبقاء علي نظام الأسد ، و كم مليار دولار سينفق كي يحمي قاعدته البحرية في المتوسط ، و كم طائرة سيخسر كي يوسع نطاق سيطرته و يبسط نفوذه ومن ثَمَ يحافظ علي تواجده في المنطقة.

نستطيع الآن أن نفتح قوساً و نقول إننا أمام حرب دموية يخوضها بوتين بجانب الأسد كي يحظى بنصيب أكبر من الكعكة ، لكن كعكة كهذه مسمومة ولن تأكلها روسيا سوي بالدم و العرق و الدموع  ، فمن ظن ممن يلاقي الحروب بألا يُصاب فقد ظن عجزا.

أبو بكر مشالي

مدون مصري

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها