أبو بكر مشالى: “يناير”.. لا تستفت في الثورة أحدا

خمس سنوات هي عمر الثورة التي أتي السيسي للإجهاز عليها, نجح في القضاء علي مفهوم “الشعب” الذي هو قوام “الدولة” بجانب “الحكومة والسيادة والأرض”.. يتبع.

 أبو بكر مشالى ـ مدون مصري

ربيع عربي قالوا إنه مَرّ من هُنا , لكنهم نَسوا أن يخبرونا كم كان هذا المرور مُفَخَخاً.

مظاهرات اندلعت هُنا و هُناك اجتمعت فيما بينها علي رأي لا يُنكره سوي “أولاد الحرام”.

إن الحرية ليست جريمة، وإن الاختيار حق كفله الله لعباده, فلا يستقيم إيمان العبد إلا إذا كان حُراً “لا إكراه في الدين” فكيف تستقيم رجولته وهو ذليل؟


لكن كانت، ومازالت ،آذان الحُكام صَمّاء لا تعمل أمام هذه الأصوات المُكتظة بالغضب, فتسابقوا فيما بينهم علي وأدها ووَصمِها تارة بالخيانة، وتارة بالإرهاب، وكما تعلمون أن هذا النوع من التُهم مُستهلك عندنا و جاهز للاستعمال السريع, و يُمكن بموجبها اعتقال آلاف الاشخاص، وإيداعهم الزنازين حتي إشعار آخر.

خمس سنوات هي عمر الثورة المصرية التي اندلعت في الخامس و العشرين من يناير عام ألفين وأحد عشر, ومازلنا نئن تحت وطأة الظلم و الاستبداد، ولأنه في مناخ الاستبداد لا توجد سوي منطقتين للحركة “منطقة آمنة” تجمع “المستبد و حاشيته” و”منطقة خطرة” تستدعي دفع ضريبة يتحملها الثوار في الميادين والمعتقلون في السجون.

فى منطقة أخري هُلامية لا تكاد تُري بالعين المُجردة يقبع فيها “المُواطن العادي” أو “المخلوق التعيس” كما يحلوا لي تسميته, الذي يُمكنه أن يكون مؤيدًا بالنهار ومُعارضاً بالليل، الذي تم استخدامه مِن قِبَل العسكر لإحداث فوضى وصناعة حشد مزيف فهو مُجرد صوت قابل للتأطير، وإن دعت الحاجه لتوريطه سيُحاسب علي مشاريب الثورة مع الثوار حتى وإن لم يكن على دينهم.

خمس سنوات هي عمر الثورة التي أتي السيسي للإجهاز عليها و ضربها في مقتل, نجح في القضاء علي مفهوم “الشعب” الذي هو قوام “الدولة” بجانب “الحكومة والسيادة والأرض”. هذه الأركان الأربعة التي تُكوّن شخصية “الدولة”, لكن العسكر حَوّل الشعب إلي جماهير “احنا شعب و انتوا شعب”، جمهور يُصفق، وجمهور يلعن، وجمهور يُصفق أحيانًا ويلعن أحيانًا أُخرى, لكنه لم ولن يتحرك لأن العُنف مُفرِط ، فانتهي الحال بمصر إلي فاشية تتمثل في “شخص” لا يثق بدولته، ومُجتمع مُعاق كَفَر بالحكومة ولم يَعُد يُعَوِّل عليها في تحقيق أي إنجاز.

خمس سنوات هي عمر الثورة، تعلّمنا فيها أنه كان لزاماً علينا أن نُسقِط “ثقافة الاستبداد” التي يحيا بها الشعب قبل أن نُسقِط ” المستبد” نفسه، لأن شعبنا قادر على إعادة إنتاج غيره بشتي الطرق، شعب “عبد المأمور” “أكل العيش” “امشي جنب الحيط” شعب مُهَيأ للتَكَيُّف تحت أي سلطة قمعية لأنه ليس مٌستعدًّا لدفع ثمن مقاومتها بعد أن تم خنقه في الزاوية و إنهاكِه كي لا تقوم له قائمة، فإذا أسقطت مستبداً فلا تُبق علي أحد من حاشيته لا جندياً يحتمي به ولا شيخاً يغسل سمعته و يفتي له ولا إعلاماً يصفق له.

خمس سنوات هي عمر الثورة، تَعلّمنا فيها أن السذاجة و سلامة النية لم تكن تكفي لحكم دولة كمصر، كان لابد من وجود سلطة رادعة قوية تحكم قبضتها علي مفاصل الدولة فتحول دون اعتداء الناس بعضهم علي بعض، تعلّمنا أن الميوعة لا تصلح أن تكون نظام حكم ، كان لابد من الحزم والتصفية لأن الاختراق توطئة.

خمس سنوات هي عمر الثورة، وليس ثمة جديد يُذكر سوي أننا اعتدنا الفاجعة حتي أصبحت مألوفة بيننا، “المُعتقلين” تلك الكلمة التي ما عادت غريبه ولم تعد سبقاً صحفياً لفرط ما اعتدنا سماعها، حتي الرقم لم يعد يعني لنا الكثير كانوا بالمئات وأصبحوا بالآلاف، تحتل سيرتهم العناوين الرئيسية في نشرات الاخبار, لكن حقهم في أن يكونوا رقماً صحيحاُ لم تمحنهم اياه السُلطة في تقاريرها, و تركتهم في الزنازين يصارعون المرض حتي الموت.

خمس سنوات هي عمر الثورة، أثبتت لنا أن القضايا كثيراً ما تخدم مَن يدَّعون خدمتها, وما زال هناك من يعيشون علي الثورة لا يعيشون لها، وأن مَن يمكنك أن تراهن علي وعيه لا يمكنك المراهنة علي ضميره، وأن صمود الأبطال في الميادين طبيعي أن يكون عبئاً علي المجتمع الجبان.

خمس سنوات هي عمر الثورة، ونعلم يا الله أنك ما خرقت الثورة لتغرق أهلها, ولكن وراءها خونة يأخذونه غصباً فجعلت لها عيباً بطول خمس سنين لتبلغ أشدها وتنفي خبثها, ونعلم يا الله أن النصر مهما تأخر حتماً سنبلغه بقدرتك, ونعلم أنك لن تنصر من تخاذل أو استسلم, ولن ينتصر سوي مَن دفع الثمن بنفس راضية محتسبة و هتف بأعلى صوته اللهم خذ من أموالنا وحرياتنا ودمائنا حتي ترضي.

خمس سنوات مرت، وما زلنا قيد الثورة لم ننته بعد ولا ندري ما الذي سيؤول اليه مصير هذا الواقع, وما الذي ستتمخض عنه الأحداث قريباً، لكن علي أية حال السيسي أتي في نهاية الربيع و نهاية الربيع حصاد, فاستبشروا خيراً.

 أبو بكر مشالى

مدون مصرى

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها