“23 يوليو” في الميزان

والحقيقة التي أشهد بها للتاريخ هي أن ما قمنا به في 23 من يوليو 1952 في عرفنا نحن ضباط الجيش كان انقلابا واضحا وكنا نحن الضباط مقتنعين بذلك تماما ونعلم جيدا أنه انقلاب.

يقول اللواء محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر العربية وأحد قادة أحداث يوليو في اعتراف هام وخطير، أريد أن أحسم قضية مهمة جدا وهي “هل ما فعلناه في 23 يوليو ثورة أم انقلاب ؟!”

“إن من يؤيد الإدارة العسكرية يقول إنها ثورة، وكأنه يكرمنا ومن يعارض يقول إنه انقلاب وكأنه يحط منا والحقيقة التي أشهد بها للتاريخ هي أن ما قمنا به في 23يوليو 1952 في عرفنا نحن ضباط الجيش كان انقلابا واضحا وكنا نحن الضباط مقتنعين بذلك تماما ونعلم جيدا أنه انقلاب وكنا نتفاوض مع الجميع على أنه انقلاب وكنا نعلن ذلك صراحة لأن هذه كانت الحقيقة”.

ولكننا عندما أردنا أن نكسب الشعب في صفنا اضطررنا إلى تغيير كلمة انقلاب إلى حركة الجيش المباركة وهذا بمثابة لفظ ناعم أفضل من لفظ انقلاب، وبعد أن التف حولنا الشعب قررنا تغيير الاسم نهائيا إلى ثورة 23 يوليو “

وأكمل نجيب شهادته عمن قاموا بأحداث يوليو 52 قائلاً: 

“كنت أنا اول من أطلق لقب الضباط اﻷحرار على مجموعة الضباط الذين خططوا لهذا العمل، وأنا أعتذر  عن هذه التسمية لأنه لم يكن اسما على مسمى، والحقيقة التي أشهد الله عليها أنهم لم يكونوا أحرارا بل كانوا أشرارا وكان أغلبهم مجموعة من المنحرفين أخلاقيا واجتماعيا وأصحاب المصالح الشخصية، ولأنهم كانوا يحتاجون إلى قائد كبير في الرتبة والخلق يتخذونه ستارا وواجهة لتحقيق أهدافهم فكنت أنا للأسف الشديد هذا الضابط، ونظرا لرتبتي ومكانتي العالية  داخل الجيش فقد كنت  لواءً وأنال حب واحترام الجميع وقد تم اختياري لأكون زعيم هذا التنظيم الذى أسسه عبد الناصر ولم أكن أعلم حينها ما الذى يخطط له هؤلاء الضباط بعد الانقلاب على الملك لذلك شاركتهم، وأنا في ظني أنني بذلك أخدم بلدي ووطني، وأنا آسف أشد الأسف لما حدث”.

هذا الاعتراف أظن أنه قد وضح الكثير حول حقيقة 23 يوليو، وإليكم التفاصيل باختصار شديد، فبعد حرب 1948 وبالتحديد في 1949 / 1950 بدأ جمال عبد الناصر وكان حينها برتبة “بكباشى(مقدم)” يجمع مجموعة من زملائه ويحدثهم عن ضرورة تحقيق بعض الأهداف التي تحسن من وضعهم كضباط.

وبدأت أهداف ومطامع هذا التنظيم تزداد يوما بعد يوم حتى بدأ التفكير في التخلص من الملك، وبعد أن استطاع عبدالناصر نظرا لشخصيته القوية ومراوغته وقدرته على الخداع  أن يجمع حوله مجموعة من الضباط وهم من عرفوا بعد ذلك في التاريخ بالضباط اﻷحرار  كانت هناك مشكلة حيث أن هؤلاء الضباط كان معظمهم من صغار الضباط، فعبد الناصر نفسه مؤسس التنظيم كانت رتبته بكباشى لذلك بدأ الضباط يبحثون عن ضابط كبير ليكون واجهة لهم وقائدا للتنظيم مع عبدالناصر، وكان عبد الناصر يرى أن أفضل شخص لذلك هو اللواء محمد نجيب، فهو صاحب  رتبة عالية في الجيش (لواء)  في ذلك الوقت  كما أنه يتمتع باحترام الجيش وحب الشعب وشعبية جارفة بين الناس  باﻹضافة إلى  صفات أخرى كثيرة  كطيبة القلب والتواضع والثقة بالآخرين، وهذه الصفات جاءت على هوى عبدالناصر لأنه رأى أنه سيسهل عليه بعد ذلك تنفيذ مآربه الخبيثة حيث يتخذ محمد نجيب واجهة شعبية لهم نظرا لحب الشعب الشديد لنجيب ثم بعد ذلك يتخلصوا منه.

وهذا ما حدث بالفعل حيث تحرك الضباط في صباح 23 من يوليو 1952 وسيطروا على القاهرة وأذاعوا البيان الأول للثورة باسم اللواء محمد نجيب، وعندما علم كل الجيش والشعب أن الذي يقود هذه الحركة هو اللواء محمد نجيب اطمأنوا لها وانضموا إليها نظرا لما لمحمد نجيب من مكانة كبيرة في قلوب الشعب والجيش.

وبالفعل بعد أن حقق الضباط ما أرادوا وتم إمهال فاروق ثلاثة أيام لمغادرة البلاد، وفي 18 من يونيو 1953 تم إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، وتم اختيار محمد نجيب أول رئيس لمصر، وفي عام 1954 بدأ عبد الناصر يفكر في تنفيذ مآربه الشخصية وبدأ يخطط  للتخلص من محمد نجيب وخاصة أن  نجيب كان يرى ضرورة عودة الجيش إلى ثكناته وتسليم السلطة للمدنيين، وهذا ما رفضه عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، وقاما بالانقلاب على محمد نجيب في فبراير  1954، وتم وضعه تحت الإقامة الجبرية في قصر بالمرج تملكه زينب الوكيل زوجة مصطفي النحاس، وبعد أن تخلص عبدالناصر من محمد نجيب نصّب من نفسه رئيسا على مصر، وقام بمصادرة الحريات  ونسب كل ما أنجزه نجيب لنفسه، بل ما كان ينتظره الشعب من هذا الحركة أصبح  كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً  وتدحرج كل شيء في حجر الجيش وضباطه، بل سخرت مصر  بإعلامها  المرئي والمسموع  لخدمة عبد الناصر وشرذمته.

 وأخيرا هذه أسماء الضباط اﻷحرار أو من عرفوا بمجلس قيادة الثورة:

  1. محمد نجيب 
  2. جمال عبد الناصر  
  3. عبد الحكيم عامر 
  4. يوسف صديق
  5. حسين الشافعى 
  6. صلاح سالم  
  7. جمال سالم 
  8. خالد محيي الدين
  9. زكريا محي الدين 
  10. كمال الدين حسين 
  11. عبد اللطيف البغدادي  
  12. محمد أنور السادات 
  13. عبد المنعم أمين

هذه هي حقيقة أحداث 23 من يوليو باختصار لمن أراد أن يعرف، أما ما تم الترويج له من إنجازات وبطولات للثورة وحقيقة ما قدمته لمصر، والكوارث التي لحقت بمصر بعد هذه الأحداث وما جناه الشعب المصري منذ 23 من يوليو 1952 حتى الآن، فهذا الموضوع فيه كلام كثير وشهادات خطيرة أذكرها في مقال لاحق وأهمها شهادة خالد محيي الدين، وعبد المنعم أمين، والشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها