هوية مغربية بطعم الاحتلال !

كيف يعقل أن يعمل مغرب اليوم، بظهائر  تعتبر المغرب دولة محتلة؟ وما دور السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، إن لم يكن ضمان هوية واستقلال المغرب والمغاربة؟

لم تتمكن الحكومات المتعاقبة على تدبير شؤون المغاربة، من تنقية وتطهير الهوية المغربية من عفن ورواسب الاحتلال الفرنسي والإسباني، ولا من محو عار المستعمر والخونة، والتخلص من القبح والمهانة والسخرية وفرض التبعية التي رسخها المستعمر في  هويات المغاربة وأماكن عيشهم، وقوانينهم التنظيمية وإداراتهم. ولم تبادر حتى إلى حذف أسماء وألقاب تحط بالشرف والعفة والهوية المغربية، فرضت على المغاربة وفق قانون الحالة المدنية الذي أصدرته السلطات الفرنسية سنة 1882.

والذي ألبس بعض المغاربة ألقابا مهينة، ظلت لاصقة بهم وبأبنائهم وأحفادهم وكل أفراد أسرهم، أسماء لعاهات بشرية من قبيل (لعور، لطرش، مجنون، صمك ، لقصير، لعوج..) وأسماء لحيوانات وحشرات وعتاد وشخصيات منبوذة في التاريخ الإسلامي والمحلي أو ترسخ للفقر والجبن والإذلال، وأسماء أخرى مشينة ومهينة.

وإن كان بعض المغاربة تمكنوا من تغيير أسمائهم وألقاب أسرهم، فإن هناك آخرين مازالوا يحملون مهانة الاحتلال، ولم يوفقوا في تغييرها، إما لجهلهم بالمساطر اللازمة والمعقدة أو لفقرهم، بل إن هناك قرى ودواوير مازالت تحمل أسماء خادشة للحياء والشرف، وتم الاحتفاظ بها، وأخطر من هذا أن مؤسسات الدولة المغربية لا تزال تعمل بظهائر سطرت فترة الاحتلال من طرف المستعمر، ظهائر ليست فقط متجاوزة بل إنها تتضمن عبارات مهينة للهوية المغربية، وتعتبر المغرب منطقة فرنسية، وخصوصا في قطاعات الفلاحة والعقار والمياه والغابات، نذكر منها مثلا  الظهير الشريف 31 مارس 1937 المتعلق بضبط جلب الأسلحة والمتاجرة بها وحملها وحيازتها واستيداعها، والذي يجب إعادة النظر في مصطلحات يتضمنها، تعتبر المغرب “منطقة فرنسوية” وغيرها من المصطلحات التي صيغت خلال حقبة ما قبل الاستقلال.

كيف يعقل أن يعمل مغرب اليوم، بظهائر  تعتبر المغرب دولة محتلة؟ وما دور السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، إن لم يكن ضمان هوية واستقلال المغرب والمغاربة ؟ مرت عقود على جلاء المستعمر الفرنسي عن التراب المغربي، وعوض العمل على توفير الموارد البشرية المغربية لتدبير شؤون البلاد ومرافقها الإدارية، ظلت الإدارة المغربية حبيسة الأنظمة والنصوص القانونية الفرنسية، تقتات من برامجها ومخططاتها التي لم تعد تساير قطاع التنمية العالمي، وظلت حبيسة لغتها الفرنسية التي لم تعد تصلح للتواصل العلمي والتكنولوجي الدولي.

طعم الاحتلال المر، استمر حتى بعد حصول المغرب على الاستقلال، وبعد أن تسلل إلى صفوف المقاومين الأحرار شلة من الخونة، وتمكنوا من انتزاع القيادة والصدارة، وتهميش المكافحين الشرفاء والكفاءات، حيث تمت تسمية مرافق عمومية وأزقة وشوارع بأسمائهم، وإن تم التخلص من بعضها، فإن (بصمة العار) مازالت بارزة بعدة مدارس ومساجد وأزقة، تحمل اسم (القائد فلان والقائد فرتلان)، وأخرى لشخصيات مجهولة التاريخ والهوية.

إن دستور البلاد الذي تم تعديله سنة 2011، يؤكد في بدايته على أن (المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها).

فهل المغرب الآن مهتم بهويته وثقافاته، ومتشبث بوحدته الترابية، واقع الحال يغني عن السؤال، لازالت هويتنا تتنفس بطعم الاحتلال، عاجزة على التخلص من هذا الوباء الذي خلفه الآباء والأجداد مرغمين أو غافلين وجاهلين، ولازال المغرب يعاني من أجل وحدته الترابية، وبقدر ما نجده يصب كل طاقاته صوب المناطق الجنوبية بالصحراء المغربية، التي يبسط نفوذه عليها، بقدر ما نجده غير مهتم بأراضيه السليبة في الشمال، إلى درجة أنه لم يبادر حتى إلى ذكر مدينتي سبتة ومليلية والجزر المغربية ضمن التقطيع الترابي الجديد للبلاد الذي يضم 12 جهة، علما أنه كان من الواجب رسم جهة 13 سليبة تحتوي على تلك المناطق المحتلة، وتعيين وال عنها مقره بالرباط أو طنجة.    

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها