هل يعود “حارسُ البوّابة”؟

الإعلامي المصري عمرو أديب يشن هجوما على المصريين العائدين من الخارج

تُعد نظرية “حارس البوابة Gatekeeper” من أهم نظريّات علم الاتصال، ويرجع الفضل في تطويرها لعالم النفس النمساوي “كيرت ليوين” 1977، وتختزل النظرية عملها في أنّه على طول الرحلة التي تقطعها المادة الإعلامية من المصدر إلى المُتلقّي؛ توجد بوّابات يتم بموجبها اتخاذ قرارات بما يُسمح بمروره أو تعديله أو منعه، وكلّما طالت المراحل التي تقطعها المادة الإعلامية ازدادت البوابات الإعلامية.

وقد أشبع علماء الاتصال النظريّة بالدّراسات العلمية المنهجيّة المُعمقة، وحددوا العوامل التي تؤثر على حارس البوابة الإعلامية منها: معايير المجتمع وقيمه وتقاليده، ومعايير ذاتية تشمل عوامل التنشئة الاجتماعية، والتعليم، والاتجاهات، والميول، والانتماءات، والجماعات المرجعيّة، ومعايير مهنية تشمل سياسة الوسيلة الإعلامية، ومصادر الأخبار المتاحة، وضغوط العمل، ومعايير الجمهور.

إن غياب دور حارس البوابة؛ أفرز لنا مثل هذه الإشكاليات الكبيرة الآخذة في النمو، ولا سبيل لإيقاف هذا التدهور إلا بإعادة تفعيل دور حارس البوابة

وقد يكون حارس البوابة؛ الصحفي أو المراسل أو السياسة التحريرية أو المؤسسة الإعلامية أو وكالات الأخبار أو الفكرة الأيديولوجية أو السياسي أو من بيده القرار…الخ

ومع الإنفتاح الهائل للعالم على تكنولوجيا الإتصال الحديثة التي أحدثتها ثورة الاختراعات والمُبتكرات؛ برزت تحوّلات بنيويّة وهيكليّة في صيرورة عمل نظرية “حارس البوابة” أثرت على فاعلية النظرية، فأفقدتها قوتَها، وأضعفت قبضتها في السيطرة على منافذ التحكم في مرور المعلومات، مما أنتج لنا تحولات جذرية في عالم الاتصال.

فبعدما أن كانت المادة الإعلامية مقيّدٌ مرورها بقرار حارس البوابة؛ أصبحت متاحة الآن بسهولة وسيولة عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك والتويتر والإنستغرام واليوتيوب وغوغل بلا حارس أمين وبلا بوابات مراقبة.

ويبدو أنّ سنّة التطور على مستوى الأفكار والأفراد والمجتمعات والأمم والتقنيات؛ تضعنا أمام عقبات مستمرة ومشاكل معقدة؛ تستدعي منا الاهتمام بإيجاد بدائل تُمكِنُنا من حل تلك المشكلات وتجاوز تلك العقبات، ولا يتأتّى ذلك إلا بفهم خصائص البيئة الاتصالية الحديثة والضغوطات المؤثرة فيها.

مما يُكسبنا القدرة على إعادة انتاج المفاهيم والآليات لإعادة تفعيل نظريات الاتصال وخاصة نظرية “حارس البوابة” التي هي بمثابة صمام أمان المجتمع؛ في بيئة أصبحت تعُجّ بفوضى المعلومات وانفلات السيطرة، وعالم يفتقد لمركزية إصدار المعرفة.  
وبالرغم من أن هذه التطورات الهائلة في فضاء الاتصال قد أفرزت لنا حالة إيجابية على المستوى السياسي، تتمثل في حرية انتقال المعلومة وتداولها دون قيود حرّاس البوابة؛ إلا أنها في نفس الوقت لها آثار سلبية قد تمس مساحة القيم والأخلاق والمبادئ!

والمسألة الأكثر خطراً في هذا الصدد؛ أن نرى اليوم التلفزيون -الذي يعتبر الوسيلة الأولى للترفيه العائلي- يحذو حذو وسائل التواصل بتساهله في تمرير الكثير من مواد إعلامية غير صالحة للنشر، والبرامج التي لا تحمل رسائل قيمية هادفة، سعياً منه للحفاظ على صلابته ومكانته ووجوده بين الوسائل المُستحدثة الأخرى، في ظل تنافس شديد يجبره على التخلي عن الكثير من المحظورات والممنوعات.

الحديث عن الدراما لا يقل أهمية حيث نرى أعمالاً تُعرض على الشاشات العربية لا تبني فكراً ولا ثقافةً ولا وعياً ولا تعالج مشاكل مجتمعية حقيقي

فعلى سبيل المثال؛ إنّ برامج العنف التي نشاهدها على شاشات التلفزيون اليوم والتي تُنتَج باسم الترفيه والتسلية أو الكاميرا الخفية، كفيلة أن تزرع في نفوس النشء حب العنف والانتقام والتنمر والعُدوانية الفكرية والسلوكيّة، فضلا عن فقدها لمعايير القيم الإنسانية والأخلاقية، وكما يقول الشاعر أبو العلاء المعرّي: “وينشَأُ ناشِئُ الفِتيان منَّا على ما كانَ عوَّده أبُوه”، وجميعنا على يقين أن تقنيات الاتصال بكافة أشكالها أصبحت تشاركنا تربية أبنائنا اليوم، بل ربما أصبح تأثيرها عليهم يفوق تأثيرنا نحن!

أما الحديث عن الدراما فلا يقل أهمية عما سبق، فنرى أعمالاً تُعرض على الشاشات العربية لا تبني فكراً ولا ثقافةً ولا وعياً ولا تعالج مشاكل مجتمعية حقيقية، سيّما المسلسلات التي تتعرض للأحداث التاريخية والتراثية؛ فلا تنفك عن التزوير والتدليس، أعمالاً تفتقد للتوثيق الصحيح والدقيق، أعمالاً لا تبني إنساناً ولا حضارةً ولا نهضة.

إن غياب دور حارس البوابة؛ أفرز لنا مثل هذه الإشكاليات الكبيرة الآخذة في النمو، ولا سبيل لإيقاف هذا التدهور إلا بإعادة تفعيل دور حارس البوابة والبحث في الأسباب التي حيّدت دوره ومعالجتها، أو استحداث نظريات جديدة تتوافق مع مستجدات التكنولوجيات والحداثة، فقيمة الإنسان الحقيقية فيما يحمل من قيم ومبادئ وأخلاق.

 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها