هل نحن في بلد الاسلام؟!

للحظة استوقفت نفسي وكل ما يدور في عقلي لأقول: “هل كل ما تعلمته في صغري كان أسطورة، أو مجرد أحاديث مبعثرة عن الفضيلة والأخلاق؟! هل كنا نتجرع كلاما مرسلا خاليا من الفهم والتطبيق؟!

أشرقت أول شمس على عيني في هذه الدنيا وعلمت أنها مسلمة، ثم بدأت أكبر ثم أكبر حتى تأكدت من ذلك، وفي المدرسة قالت لنا المعلمة إنها كذلك وبطريقة غير مباشرة فهمت أننا ننتمي لها فالنتيجة دائما لا تحتاج إلى سؤال.

 ثم وجدت نفسي يوما بعد يوم أتعلم ما هو الإسلام؟! كيف بدأ؟ كيف استمر؟ ولماذا استمر؟! ما الذي علينا أن نتعلمه منه؟ وماذا يجب علينا نحوه أيضا؟ إلى أن أخذتني الحماسة وأصبحت أطبق كل ما تعلمته منه منذ الصغر، ثم فرضت عليّ الأيام بحكم عمري أن أخرج بنفسي حتى أكتشف الواقع، وأصبح هناك سؤال لا يغيب عن عقلي؟

هل نحن في بلد الإسلام، أم أنهم يعتنقون الإسلام ويطبقون دينا أخر؟!

أتذكر أن أول ما تعلمته عندما كنت أخطو أولى خطواتي في التعرف على ديني كانت كلها أشياء تتعلق بالبواطن والمعاملات التي خرجت الآن ولم أشاهد تطبيقها من أحد “إلا من رحم ربي.

سأسرد لك الواقع وما أراه يوميا وأترك الحكم بين يديك، فمن الأمثلة ما لا يعد ولا يحصى، أرى يوميا السيدة الكبيرة تصلي وتصوم ولكنها تتكلم على جارتها بالسوء أو تقطع صلة رحمها.

أرى الناس ينقسمون إلى طبقات، والعنصرية تتفشى فيهم بشكل مرعب، وأستوقف عقلي مندهشة من المعلم الذي تعلمت منه الحديث عن القيم والأخلاق، وهو يعامل العامل بأسوأ معاملة يمكن أن يعامل بها أحد غيره.

أرى بعضا ممن يسافرن إلى الخارج ينزعن الحجاب عن رؤوسهن لأنه ببساطة بدأ معها كعادة وليس كعبادة.

أرى من لا يرحم الفقير ولا الضعيف من الناس، وينادونه بالـ “الأستاذ أو الباشمهندس أو الدكتور.

أرى الجميع يحاسبك على مظهرك مهما كان داخلك، أرى “كلام الناس” أهم عند الناس من رب الناس، رغم قوله تعالى لهم “فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ”.

أرى أغلب من حولي يطبقون عكس ما تعلموا، إلى أن دخل الشك إلى عقلي بأنهم يعتنقون دينا غير المسمى لهم في البطاقة.

للحظة استوقفت نفسي وكل ما يدور في عقلي لأقول: “هل كل ما تعلمته في صغري كان أسطورة، أو كلاما فقط، أو مجرد أحاديث مبعثرة عن الفضيلة والأخلاق؟! هل كنا نتجرع كلاما مرسلا خاليا من الفهم والتطبيق؟!

هل كل هذا ممنهج بحرفية مقصودة حتى يسخروا من عقولنا، أو حتى تملأ المعلمة فراغ الحصة المدرسية لتنتظر الجرس يدق ونخرج، غير مبالية بهل سنطبق كل ما سمعناه عندما نخرج أم لا! 

لكن الجواب جاءني من داخلي بأن عقلي بريء من هؤلاء، الذين يريدون أن يشوهون الدين ، ويستمرون في ذلك حتى وإن كان نتيجة تشويهم هو السقوط في بئر ظلام أبدي لن تستطيع الأجيال القادمة وجود منفذ حتى يخرجوا منه.

قولوا لي! كيف لشاب يخرج للحياة في أول عمره أن يحتفظ بعقله في وسط كل هذا السواد ” كيف يتعلم شيئا ويخرج ليرى تطبيقه عكس ذلك” وإذا سأل فقد كفر، كفر بالعاهات والتقاليد، كفر بالإساءة للإنسانية، كفر بالخطأ!

رغم أنه لا اختلاف على أن تكفر بالخطأ أعظم بكثير أن تستمر بالخطأ وأنت على علم ويقين أنه خطأ

كيف لا يتمرد ؟! كنت أسمع هذه الجملة كثيرا جدا “الغرب يطبقون الإسلام أكثر منا” ولكنني لم أكن أفهم وقتها والحقيقة أن في هذه المقولة ظلما لهم ولنا لأنهم لا يطبقون أكثر ولا أقل منا، وأعتقد أننا لا نطبقه أصلا.

“نحن لا نطبق أصل الأشياء ومن ثم فهذا يعني أننا لا نطبق الأشياء نفسها”، لا نطبق إلا كل شيء ظاهري فقط يتعلق بالإسلام، ثم نقف لنفتقر كل الافتقار إلى الرحمة، والأخلاق والحق والحرية؛ حتى وصلنا إلى طريق يختلط فيه العيب بالحرام ويختلط فيه المسموح به بالحلال، فلا يسعنا ولا يكفينا إلا أن نقول بأننا نحتاج أن ننظر بإشفاق لا متناهي على كل من يولد في هذا الجيل والأجيال القادمة.

وطوق النجاة الوحيد في هذا التعسر هو أن نتشبث بأيدٍ من الحب والسلام بكل ما تعلمناه وكل ما نعلم أنه لن يسود العدل إلا به حتى تفتح الرحمة أجنحتها للصغير قبل الكبير.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها