هل كان حسن البنا واحداً من العظماء؟

عندما سُئل الفيلسوف الفرنسي فولتير أيهما أعظم: الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر أم القائد الإغريقي الإسكندر الأكبر أم القائد المغولي تيمور لنك؟

عندما سئل الفيلسوف الفرنسي فولتير أيهما أعظم: الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر أم القائد الإغريقي الإسكندر الأكبر أم القائد المغولي تيمور لنك؟
قال: بل أعظم من هؤلاء جميعاً العالم البريطاني إسحق نيوتن؛ لأنه يحكم عقولنا بالمنطق والصدق، وهؤلاء يستعبدون عقولنا بالعنف، ولذلك فهو يستحق عظيم الاحترام!
وفى منتصف القرن الماضي وضع الفيزيائي الأمريكي مايكل هارت كتابه: الخالدون المائة، ورتب أكثر الشخصيات تأثيراً في التاريخ من وجهة نظر مؤلفه. وبعد إصداره تلقى اقتراحات عديدة من علماء ورجال دين بإدراج أسماء أخرى ضمن القائمة، غير أنه كان قد وضع مقياساً دقيقاً في اختيار شخصياته لا يتجاوزه .
وأبرز هذه المعايير أن تكون هذه الشخصية حقيقة، فهناك شخصيات شهيرة لكن لا يُعرف إن كانت حقيقة أو أسطورة، مثل الشاعر الإغريقي هوميروس صاحب الإلياذة والأوديسة، وكذلك استبعد كل المجاهيل .

كما أن هذه الشخصية يجب أن تكون عميقة الأثر – طيباً كان أم شريراً – لذا أضاف لقائمته مستبدون كهلتر، وأن يكون هذا الأثر عالمياً، ولذلك أسقط كل السياسيين الذين لم يتجاوز نشاطهم الإصلاحي حدود بلدانهم، واستبعد كل العظماء الذين كانوا أحياء وقت تأليف الكتاب إذ لا يعلم أحد ما يكون فى بطن الغيب ..وبهذا تمحض لديه مائة شخص من آلآف العظماء الذين جاؤوا فى التاريخ، كان أثرهم عميقاً خالداً علي مدى التاريخ الإنسانى كله.

ولئن كان واحد من أولئك الذين جاءوا بعد هؤلاء المائة العظماء أعمق أثراً، وأعظم جهداً، وأحري أن يسلك في ركاب الخالدين، فلا بد أن يكون ذلك الشخص هو الإمام الشهيد حسن البنا !

وإنما اخترت هذا الرجل لأنه هو الوحيد الذي نجح نجاحاً باهراً علي المستويين الفكري والحركي معاً، فقد استطاع أن يجمع بين منهج جمال الدين الأفغاني في الإصلاح عن طريق الحكم، ومحمد عبده في الإصلاح عن طريق التربية، وأن يستخلص من ذلك كله مشروعاً حضارياً فريداً، رسم له في رسائله معالم الطريق. 

فالمشروع الفكري للإمام البنا وإن كان امتداداً لأفكار تجديدية جاءت قبله، إلا أنه استطاع أن يجدد هذه الأفكار، وأن يصوغ منها منهجاً وسطياً أصولياً متسقاً مع عالمية رسالة الإسلام، وصلاحيتها لكل الأمكنة والأزمان، ولم يكن غريباً أن شرّق هذا الفكر وغرّب، حتى بلغ مبلغ الليل والنهار، لأن أصوله التجديدية – كما ذكرنا – قامت علي فهم شامل لرسالة الإسلام، ولعالمية هذه الرسالة.

ولم يقف أثر الإمام البنا عند هذا الحد –أي عند التنظير والتقعيد – وإنما أسس حركة إصلاحية تمددت في ربوع العالم الإسلامي كله، وأعادت تشكيل خارطته السياسية، وقادت حركات النضال والمعارضة في معظم البلدان العربية حيناً، والبناء والإصلاح في بعضها أحياناً أخر.  
إن عبقرية حسن البنا ليست في كونه مجرد زعيم سياسي، ولا داعية من طراز فريدٍ، وإنما في كونه صاحب مشروع حضاري تغلغل في عمق المجتمعات الإسلامية، وصار رافداً أصيلاً من روافد تكوينها الفكري، وأضحي نتاجه الثقافي جزءاً من تكوين الأمة وإرثها الحضاري.  

قد نختلف مع مشروع الإخوان فكراً وسلوكاً، حركة وقيادة،  لكننا لا شك متفقون علي عمق أثر هذا المشروع، وأن صاحب هذا الأثر العظيم جدير أن يُسلك فى ركاب الخالدين. 

لقد نشر روبير جاكسون مقالاً بعد زيارة للقاهرة فى فبراير/شباط سنة 1946م  قال فيه: ” زرت هذا الأسبوع رجلاً قد يصبح من أبرز الرجال فى التاريخ المعاصر، وقد يختفي اسمه إذا كانت الحوادث أكبر منه، ذلك هو الشيخ حسن البنا زعيم الإخوانوقد صدقت نبوءة جاكسون، إلا أن الحوادث لم تستطع أن تخفي أثره أو تهدم دعوته. 

إن هذا الختام العجيب لحياة الرجل في بواكير شبابه، والذى استهدف وأد دعوته إخماد جهاده، قد ظل علي مدى الأجيال يوقد في نفوس رجال الفكر النور والضياء , ويبعث في قلوب الذين آمنوا معه ما بعثه الحق في نفوس أهله. 

إنّ هناك فارقاً أزلياً بين الذين خدعوا التاريخ والذين نصحوا لله ولرسوله . وحسن البنا لم يكن رجلاً في أمة، وإنما كان أمة في رجل، وقد خلف للأجيال تراثاً خالداً في فهم مشكلة المسلمين، وعلاج مشكلات الحضارة، ترسخت مفاهيمه في نفوس المخلصين، واستضاءت بنوره – ولا تزال – أجيال ترفع لواء الإسلام وتحمل هم دعوته، ولا يزال عطاؤها باقياً متجدداً ما بقيت حياة .
 

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها