هلا سبتمبر

لم يذكروا أنا لم نصل بعد إلى أهداف الثورة ولم نحقق منها شيء يدعوا للمفاخرة والابتهاج، وأن واجب التغيير لا يزال قائماً ويتحمل مسؤوليته كل فرد يمني.

ثورة 26 سبتمبر (أيلول) 1962 من أطول رحلات التغيير في العالم، أخطأ من ألّف المناهج الدراسية لنا حينما رسخوا في أذهاننا أنها منجز وانتهى ومفخرة لليمن لها منا فقط إحياء ذكرها كل عام.

لم يذكروا أنها فكر وثقافة وعقيدة وطنية ميزت الشعب اليمني عن غيره وأنها أول بصيص نور لليمن في التاريخ الحديث تربص لإطفائه أذناب الكهنوت الإمامي وضعاف النفوس الذين باعوا مستقبل الشعب بثمن بخس وقدموا مصالحهم الذاتية على مستقبل بلد بأكمله.

لم يذكروا لنا أنها كانت ثورة تغيير أخافت بعض قادة أنظمة الحكم في دول الجوار بالجزيرة العربية مثل ما أخافت النظام الأمامي في اليمن تماماً، وصوروا لنا أن علاقتنا بتلك الدول أخوية فقط وأنها من الدول الداعمة لليمن، والحقيقة أن ذلك الدعم كان انتقائيا وترعى به مصالحها التي لا تتأتى إلا بمناهضة مخرجات الثورة بشكل مباشر أو غير مباشر واستمرت بذلك إلى وقت قريب.

لم يذكروا أن التدخل الخارجي في اليمن بعد إزاحة النظام الإمامي ما كان من أجل سواد عيون الشعب اليمني وإنما كان صراع مصالح بين زعماء عرب تنبه له آنذاك رموز الثورة باكراً وفرضوا عليهم احترام عراقة اليمن وقرار شعبه.

لم يذكروا أن ثمة تسويات سياسية أُبرمت بعد الثورة لتوزيع مناصب الدولة كان بعضها مثل دس السم في العسل، ظلت تنخر النظام الجمهوري إلى أن أفرغته من محتواه.

لم يذكروا أن استراتيجية اغتيالات الكفاءات الوطنية التي تعي أهمية مشروع الدولة كانت الإستراتيجية المثلى لتشكيل نظام الحكم في اليمن حتى يرضى به العدو قبل الصديق.

لم يذكروا أن الشعب لم يحظ بأي امتيازات ذات قيمة من ثروات أرضه من بعد الثورة إلى الآن، ولا من الدعم الخارجي، ومشاريع التنمية كانت شحيحة وأغلبها بجهود ذاتية من مواطنين أو للدعاية وتلميع رأس النظام.

لم يذكروا أن القبيلة اليمنية التي تمثل العمق القيمي لليمن لم يطرأ عليها أي تغيير أو تطوير وتقدم إيجابي لتتحول لعنصر داعم لمشروع الدولة، بل تم تغييبها وأغرقت في الفقر والثارات والأزمات القبلية التي لا تتوقف غير أنها أُفرغت من محتواها في كثير من المناطق وتحولت إلى أداة للمزايدات السياسية بيد نظام الحكم ومن يدعمه من الخارج.
لم يذكروا أنا لم نصل بعد إلى أهداف الثورة ولم نحقق منها شيء يدعو للمفاخرة والابتهاج، وأن واجب التغيير لا يزال قائماً ويتحمل مسؤوليته كل فرد يمني ابتداءً بشخصه ومن ثم محيطه القريب ومجتمعه وبلده.
لم يذكروا أنه بعد عناء طويل خاضه ثوار 26 سبتمبر وصلوا إلى قناعة أن التعليم هو العمود الأساسي في مسيرة التغيير وانصرف الشهيد الزبيري للاهتمام بالتعليم فإذا به يُغتال ويُغتال كل من جاء بعده يفكر بنفس المنطق ليبقى الجهل سيد الموقف وينصب علينا رجل المهام الصعبة وزعيم الانتهازية علي عبدالله صالح ليعيدنا إلى المربع الحرج الذي كان الباعث الأول لـِثورة 26 سبتمبر.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها