هاويةُ الحب..

 

دعينا نُلقي بأنفسنا من حافةِ جُرْفِ عاداتِنا، لتتلقّفنا هاويةُ العشاقِ بصدرٍ رحب، فلطالما كنتُ أقتربُ منها بحذر، ووددتُ كثيراً استكشافَ أعماقِ جوفِها التي لا خروجَ منها إلا بالانتحار!

ستسألين: لِمَ الانتحار؟ لِمَ لا يُتركُ الأمر للقدر وهو يتولّى مهمة الرحيل؟

سأخبركِ: حتى بالموتِ الطبيعي في عُرفِ العشاق يستمرُّ الحبُّ! 

ستسألين: لمَ الانتحار بالذات؟ لمَ قد يفقدُ المرؤ صوابَه لدرجةِ أن يستعجلَ لقاء منيَّته؟

سأخبركِ: ليسَ باليدِ حيلة، أتعلمين؟ لطالما درسنا في صغرِنا أنّ الأقدامَ تسيرُ وفقَ إشاراتٍ يُمليها إياها الدماغ.. ولكنْ نَسوا أن يستثنوا من هذه الحقيقة ” المُتيّم “،

فلطالما كانَ القلب هو الآمرُ الناهيK المُحرِّك والمُوقف في حياة المُتيّم.

أتعلمين؟ الحبّ هو أسهمٌ تنطلقُ مخترقةً قلبَ المعشوقِ المبادِلِ للعشقِ مع قلبِ مطلقِ الأسهم، ولأن الحب مادامت أسهمه تنطلقُ من اتجاه واحد عَبْرَ طرقٍ مهّدها لأهل الحب؛ ستقتلُ الذاتَ التي أطلقت أسهم الحب.

سترسمين على وجهكِ ملامحَ بلهاءَ أضفتْ إليكِ جمالاً فوقَ جمالكِ.

فأُوضحُ لكِ كيفَ ذلك: لطالما كانَ فضاءُ الحبّ رحباً. ولطالما كانت هاويةُ العُشاقِ بلا حواجزَ تعيقُ وصولَ الحبّ محمولاً على رياحِ الجنة. كلّ هذا موضوعٌ لأجلِ قلبين اتفقا على خوضِ غمارِ الحبِّ معاً. 

ستقاطعينني: وما دخْلُ الانتحارِ بهذا؟

سأجيبكِ: أسهمُ الحبّ تنطلقُ معلنةً سيطرتها على كلا القلبين ما داما يُطلقا أسهماً تُجاه بعضهما، ولكن إن وقعت أسهمُ قلبٍ في هيمنةِ قلبٍ آخر يستثني الحبّ من حياتهِ فقد هلك! سَيَبني القلب الآخر حصوناً من فولاذ، وبكلّ شجاعة تنطلقُ أسهمُ العاشقُ باتجاه الفولاذ كمحاولةٍ لكسرِ حقيقة صلابة الفولاذ، فترتد الأسهم باتجاه القلبِ الذي أطلقها فتصيبه في مقتل. 

ستسألين باستهجانٍ أوضحتْه ملامحك: أتسمِّي الموت بهذه الطريقة انتحارا؟

سأجيبك بصلابة: نعم، فبداية أمر القلوب هيَ اللِّين، ولأن محاولةِ اختراقِ حقائقَ واقعيةٍ كصلابة الفولاذ هي الشقاءُ بحدِّ ذاته؛ أسمّي هكذا موتاً ” انتحاراً ” 

أرأيتِ النعيم الذي يحفُّنا حبيبتي؟ 

ستعلنين استسلامكِ غامرةً نفسكِ بين ضلوعي فأشدُّ عليكِ وأعود لمخاطبتكِ وأنتِ تستنشقين عطريَ الذي اخترتهِ لي: 

أتعلمين ما المميز في هاوية العشاق؟ إنها وضعت ذروة الحب في نقطة التلاشي. 

فكلما تقدمَ العاشقان بعشقِهما ابتعدت نقطة التلاشي، ومع سيرِ الحبّ بهما للوصول إلى الذروة سيعلمان أنهما تخطيا نقطة التلاشي الأولى ولا سقفَ لحبهما بل إن حبهما في الذروة منذُ البداية. 

دعي نفسكِ لي، سأحملكِ بين ذراعيَّ، فتتشبثين بي، فأتركُ ذاتينا إلى رياح الهوى، فتجوبُ بنا في سماء هاوية العشاق قليلاً ثمّ تركنُ بنا في مكاننا الذي نستحق.

فقط دعي نفسك لي، لنرحلَ إلى غياباتِ العشقِ الأبدي.

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها