نجم الدين أربكان .. المجاهد الذي لم يعرف اليأس

من هو نجم الدين أربكان؟! وما قصة كفاحه التي أرقت مضاجع العسكر؟! وكيف كانت همته التي لم تفتر طوال ستين عاماً؟

“أما اليوم فإن أمتنا العظيمة التي هي امتداد لأولئك الفاتحين الذين قهروا الجيوش الصليبية قبل ألف سنة، والذين فتحوا إسطنبول قبل ٥٠٠ سنة، أولئك الذين قرعوا أبواب فيينا قبل ٤٠٠ سنة.. وخاضوا حرب الاستقلال قبل خمسين سنة.. هذه الأمة العريقة تحاول اليوم أن تنهض من كبوتها تجدد عهدها وقوتها مع حزبها الأصيل (النظام الوطني) الذي سيعيد لأمتنا مجدها التليد، الأمة التي تملك رصيدًا هائلاً من الأخلاق والفضائل يضاف إلى رصيدها التاريخي، وإلى رصيدها الذي يمثل الحاضر المتمثل في الشباب الواعي المؤمن بقضيته وقضية وطنه”.

بهذه العبارات الصادقة والهمة العالية والروح الوثابة استهل هذا العملاق الإسلامي الكبير نجم الدين أربكان جهاده الديني والسياسي لإعادة الأمور إلى نصابها والعودة بتركيا إلى إسلاميتها التي خفتت بعد سقوط الخلافة عام ١٩٢٤م وعلى الرغم من أن لهذا الرجل دورا عظيما وفضلا كبيرا في الحفاظ على إسلامية تركيا إلا أنه لم يأخذ حقه.    

فمن هو نجم الدين أربكان؟! وما قصة كفاحه التي أرقت مضاجع العسكر؟! وكيف كانت همته التي لم تفتر طوال ستين عاماً؟

عن أربكان:

ولد نجم الدين أربكان في ٢٩ أكتوبر عام ١٩٢٦م  في مدينة “سينوب” على ساحل البحر الأسود، وأنهى دراسته الثانوية سنة ١٩٣٤م ثم تخرج في كلية الهندسة الميكانيكية بإسطنبول سنة ١٩٤٨م، وكان الأول على دفعته فاشتغل معيدًا في نفس الكلية ثم أرسلته جامعته في بعثة علمية إلى جامعة “آخن” الألمانية وقد ابتكر عدة ابتكارات وهو يدرس في ألمانيا لتطوير محركات الدبابات. عاد أربكان إلى تركيا وعمِل أستاذًا بجامعة إسطنبول.

نضاله وكفاحه:

لم يكن أربكان شخصا عادياً من الذين يرضون بالواقع ويسيّرون أمورهم وفق المتاح، بل كان ذا همة عالية وغاية عظيمة أعلنها منذ بداية عمله السياسي، أنه يريد أن يعيد لتركيا إسلاميتها التي سُلبت، لذلك بدأ هذا البطل يسبح ضد التيار حيث كان تيار العلمانية الجارف هو الذي يملك زمام الأمور في ذلك الوقت، فانضم أربكان في بداية عمله السياسي لحزب العدالة برئاسة  ديليميري  وكاد أن يترشح على قوائمه ولكن الهجوم الذي شنته الأجهزة الرسمية والحركات العلمانية على أربكان بسبب اتجاهه الإسلامي الصريح جعل الحزب يرفض ترشيح أربكان فاضطر أن يترشح مستقلاً بذاته عن مدينة قونية ونجح نجاحاً ساحقا، ثم أخذ أربكان يؤسس تحالفا مع كل من له اتجاه إسلامي داخل البرلمان وانتهت هذه التحالفات بتأسيس حزب النظام الوطني.

حزب النظام الوطني:

أسسه أربكان سنة ١٩٧٠م وقد لاقى الحزب شعبية كبيرة وانضم له عدد كبير من كل طوائف الشعب التركي  وبدأت شعبية الحزب تزداد بشكل كبير وسريع مما أرق مضاجع العسكر الذين قاموا بالانقلاب على أربكان وحظر حزب النظام الوطني، ولكن أربكان لم ييأس فقام بعدها بتأسيس حزب جديد.

حزب السلام الوطني:

في عام ١٩٧٢ أسس أربكان حزبه  وعين على رئاسته صديقه سليمان عارف وكان للحزب شأن أعظم من سابقه فقد لاقى قبولاً شعبيا كبيراً وقد تحالف أربكان مع حزب العدالة ليكون بذلك أقوى تحالف إسلامي في تاريخ تركيا بعد سقوط الخلافة واكتسح التحالف الانتخابات البرلمانية وشارك التحالف في الوزارة بسبع وزارات وكان هذا أول اختراق إسلامي حقيقي للسلطة في تركيا، ولم يكتفِ أربكان بذلك بل نادى ببعض القضايا الإسلامية ودعا إلى العودة للشريعة الإسلامية وشدد على أن الصهيونية حركة عنصرية ودعا لتحرير القدس واستطاع أربكان أن يعيد الروح الإسلامية لتركيا مما جعل العسكر ينقلبون عليه للمرة الثانية عام ١٩٨٠.

حزب الرفاة الإسلامي:

بعد حل حزب السلام الوطني بثلاث سنوات قام أربكان بتأسيس حزبه الجديد الرفاة الإسلامي وعين عليه علي توركان وكعادة سابقيه حقق الحزب نجاحات متوالية  وفاز بأغلبية كبيرة في الانتخابات دعته لتشكيل الحكومة وبدأ أربكان في تنفيذ مشروعه الإسلامي الذي يقوم على إعلاء شأن الشريعة وتحريم الربا  فازداد القلق داخل المنظمة العسكرية التي فرضت على أربكان بعض القرارات للحفاظ على علمانية تركيا وأمام هذه الضغوط التي لا مفر منها قرر أربكان الاستقالة فيما عرف هذا بالانقلاب الأبيض ١٩٩٧م.  

حزب الفضيلة:

من جديد يعود أربكان بحزب جديد بعد خمس سنوات من حل حزب الرفاة حيث أسس حزب الفضيلة وعين عليه ”رجائي قوطان” وبعد أن حقق الحزب نجاحات، حدث معه ما حدث مع الأحزاب التي سبقته حيث أصدرت المحكمة الدستورية قرار بحل الحزب وحكم على أربكان بالسجن.

حزب السعادة:

في عام ١٩٩٨م عاد أربكان بعد أن تركه تلاميذه وأسس حزب السعادة إلا أن الحزب لم يحالفه النجاح كسابقيه بينما حالف النجاح تلاميذه الذين أسسوا حزب العدالة والتنمية الذي وصل للحكم بعد ذلك، وهكذا انتهت رحلة هذا البطل الذي كان فارسا اسطوريا لا يعرف لليأس معنى.  

وفاته:

توفي أربكان في فبراير ٢٠١١ بعد أن مهد الطريق أمام أبنائه وتلاميذه ليعيدوا أمجاد الإسلام  في تركيا.   

رحم الله المجاهد نجم الدين أربكان

المدونة لا تعبر عن موقف أو رأي الجزيرة مباشر وإنما تعبر عن رأي كاتبها